بعد اعدام الباب «تألفت جمعیة سریة منهم (من البابیین) فی طهران تحت رئاسة سلیمان خان ابن یحیی خان التبریزی، أحد رجال التشریفات للملک… و قررت وجوب قتل الشاه أخذا بثأر الباب و البابیة، و عینوا الزمان و المکان و کیفیة القتل، و أناطوا تنفیذ هذا القرار برجلین منهم علی حسب الاقتراع، الأول اسمه محمد صادق التبریزی، و الثانی فتح الله حکاک القمی و کانا یکسبان عیشهما فی طهران» (1).
و کان الشاه یرتاض فی ذلک الوقت عند سفح جبل شمیران، و یکثر التردد و الاختلاف الی قصره الخاص فی نیاوران الذی یبعد عن طهران نحو 12 میلا، فأخذ هذان الرجلان یتربصان و ینتهزان الفرص حتی اذا خرج الشاه الی القنص فی صباح الیوم الثامن و العشرین من شوال 1268 هجری (15 آب 1852 م) کانا ینتظرانه علی قارعة الطریق فتقدما منه و صرخا «الظلیمة الظلیمة: و الغوث الغوث«، و کانت بید أحدهما عریضة فلما مد الشاه یده لاستلامها عاجله الثانی بطلق ناری أهاج الحاشیة، فتقدم رئیس السواس محمد مهدی التبریزی و عاجل أحد المعتدیین بضربة سیف قتلته فی الحال. أما الثانی فجرح، و علی اثر ذلک تراکض الجنود و الحراس و أخذوا الجریح، و بعد أن استدلوا منه علی زعماء الجمعیة قضوا علیه. و کان من حسن الصدف أن محمد صادق التبریزی کان قد حشی مسدسه «رشا بدلا من الرصاص فلم یصب الشاه بأذی بلیغ ولو أنه أصیب من الرش» (2).
و لما وصل الخبر الی طهران شاع بین الناس أن الشاه قتل، و أن البابیة قتلته، فهاجت العاصمة و ماجت، و أغلقت الحوانیت و الأسواق، و جنح الناس الی السلاح یریدون الفتک بأصحاب الباب، فتراءی للصدر الأعظم بأن لابد من رکوب الشاه و مروره من الشوارع الرئیسیة لتسکین الهیاج. و هکذا جیء به محمولا علی نقالة اسعاف، ثم أرکب حصانا اخترق الجموع المتراصة ثم أدخل القصر لتضمید جروحه فهدأت المدینة و عاد الناس الی أعمالهم.
علی أن الأهلین لم یطمئنوا الی الاجراءات التی نوت الحکومة اتخاذها فعقدوا مجلسا عاما حضره ممثلون عن مختلف الصنوف و قرروا ابادة البابیین عن بکرة أبیهم. و کانوا قد استدلوا علیهم بدفتر کان فی بیت سلیمان خان التبریزی رئیس الجمعیة التی کانت تألفت للأخذ بثأر الباب، و أیدت الحکومة هذا الاجراء، فصدر الأمر بالقبض علیهم و القائهم فی غیابة الجب، حتی اذا اکتمل عددهم «قسموهم علی طبقات أصناف الملة من الأمراء و الوزراء و العلماء و التجار و العسکریة و أرباب الحرف و الصنائع فأخذ کل منهم حصته من البابیة و شهروهم بالمدینة بعد أن أذاقوهم أنواع الاهانات، و ساموهم سوء العذاب ثم أفنوهم عن بکرة أبیهم، و هکذا کان حالهم فی سائر البلدان الایرانیة… و قتل فی هذه الحادثة من البابیین نحو أربعمئة نفس و عشرات من غیر البابیة اتهموا من أخصامهم بالبابیة (3).
و ممن قتل فی هذه الحادثة رزین تاج قرة العین (4).
1) »مفتاح باب الأبواب«، للدکتور مرزا محمد مهدی، ص 270 – «البابیون و البهائیون«، لعبدالرزاق الحسنی، ص 32 – «البابیة«، لظهیر، ص 129.
2) »بهاءالله و العصر الجدید«، ص 32 – «البابیون و البهائیون«، للحسنی، ص 32 و 33.
3) »مفتاح باب الأبواب«، ص 273 – «البابیون و البهائیون«، عبدالرزاق الحسینی، ص 33.
4) »قراءة فی وثائق البهائیة«، د. عائشة عبدالرحمن، ص 56.
