فی الثلاثینات من هذا القرن، و لأول مرة فیما نعلم، برز اصطلاح «النظام العالمی الجدید» فی البیانات التی أصدرها «شوقی أفندی» الخلیفة الثانی «لبهاءالله» مؤسس البهائیة، و قد حدد فی بیاناته هذه معالم النظام الذی یرید، فاذا بها شبیهة الی حد کبیر ببعض معالم النظام العالمی الجدید (الأکثر جدة من نظام شوقی أفندی(، المطروح حالیا علی الساحة الدولیة، و شبیهة أیضا بنظام قدیم جدا طرحته جهات عدیدة متباعدة زمانا و مکانا.
علی أن بعض النشرات البهائیة الحدیثة المحت الی أن بهاءالله قد استخدم هذا المصطلح نفسه قبل 100 عام. لکننا لم نعثر فیما وصل الینا من نصوص بهاءالله علی هذا الاصطلاح، و ان یکن من المؤکد أنه أبان الکثیر من معالم النظام ذاته التی تحدث شوقی أفندی عنها.
یقول شوقی أفندی فی رسالته المؤرخة – 28 / 11 / 1931 ما ترجمته (1).
»… و نحو هذا الهدف – هدف نظام عالمی جدید الهی فی منشئه و شامل فی مداه و منصف عادل فی مبدئه و تتحدی ملامحه کل ماعداها – یجب علی البشریة أن تستحث خطاها و تکدح الیه کدحا«…
»و ما أشجی حقا تلک الجهود المضنیة التی یبذلها قادة المؤسسات البشریة الذین لایأبهون أبدا بروح العصر و الذین یجهدون فی تکییف عملیاتهم القومیة التی کانت فی العصور القدیمة ملائمة لأممهم المنعزلة لیجعلوها تناسب عصرا یجب علیه أن یختار بین أمرین: اما أن ینجز الوحدة العالمیة التی دلنا الیها بهاءالله أو أن یفنی. و فی ساعة حرجة کهذه الساعة فی تاریخ الحضارة یلیق بقادة أمم العالم کلها کبیرة ام صغیرة، شرقیة أم
غربیة، منتصرة أم مغلوبة، أن یصغوا الی نداء بهاءالله من صافوره العظیم و ینهضوا بکل رجولة تدفعهم روح الوحدة العالمیة و یحدوهم الولاء التام لأمره الالهی لینفذوا الخطة العلاجیة الوحیدة التی وصفها ذلکم الطبیب الالهی للبشریة المتالمة و لینبذوا نبذا تاما والی الأبد کل فکرة سبق لها أن تصوروها و کل تعصب قومی تمسکوا به…
»ان شکلا من أشکال الحکومة العالمیة یجب أن یتطور، فتتنازل من أجله جمیع أمم العالم طوعا عن جمیع ادعاءاتها فی شن الحروب ویکون له حق فرض الضرائب و تحدید السلاح و اقتصاره علی حفظ الأمن الداخلی ضمن حدود سیادته. و مثل هذه الحکومة یجب أن تضم ضمن اطارها هیئة تنفیذیة عالمیة تستطیع أن تفرض سلطتها العلیا التی لا ینازعها فیها أحد علی کل عضو معاند من أعضاء الجامعة الدولیة. و ان برلمانا عالمیا ینتخب أعضاوة من بین شعوب الأقطار و تصادق علی انتخابهم حکومات الأقطار ذاتها، و أن محکمة علیا تکون أحکامها ملزمة للفرقاء المعنیین، حتی فی الحالات التی یمتنع فیها أولئک الفرقاء عن عرض قضیتهم علیها طوعا، و ان جامعة عالمیة تلغی فیها جمیع الفوارق الاقتصادیة الغاء أبدیا و فیها یعترف اعترافا واضحا باعتماد رأس المال و العمل أحدهما علی الآخر، و فیها یهدأ الی الأبد ضجیج الحروب و التعصبات الدینیة، و فیها تطفأ جمیع نیران التعصبات القومیة اطفاء نهائیا، و فیها یقوم قانون دولی واحد هو ثمرة أحکام الممثلین العالمیین المتحدین بالمصادقة علی تلاحم جمیع قوی الوحدات المتحدة، و أخیرا یتحول فیها هیاج القومیات المتحاربة المتقلبة فی أطوارها الی وعی بالمواطنة العالمیة – هذه کلها فی الواقع کما یبدو هی الخطوط العریضة لنظام تنبأ به بهاءالله، و هو نظام سوف یعتبر أبدع ثمرة من ثمرات عصر ینضج نضوجا بطیئا…
»ثم ألم یؤکد عبدالبهاء نفسه بلهجة لاغموض فیها: ان حربا أشد من الحرب الماضیة ستنفجر بالتأکید؟»
و فی رسالتة المؤرخة – 8 / 2 / 1934 یقول شوقی أفندی أیضا:
»أن هذا النظام الاداری… حینما تبدأ أجزاؤه المکونة له و مؤسساته الأصیلة فیه بعملها بقوة و کفاءة سوف یؤکد علی مطالیبه و یعرض قدرته علی أن لا یکون مجرد نواة بل یکون نموذجا للنظام العالمی الجدید الذی قدر له أن یحتضن الانسانیة جمعاء عندما یحین الوقت لذلک…
»و هذا الدین وحده من بین جمیع الظهورات التی سبقته… قد نجح فی اقامة بناء یستطیع أتباع المذاهب المفلسة المتحطمة أن یقتربوا منه فی ذهولهم و یفحصوه بالنقد و یرجو قبل فوات الأوان الأمن باللجوء الی حصنه المنیع…
»و الی أی جلال و قدرة تشیر کلمات بهاءالله فی قوله: «قد اضطرب النظم من هذا النظم الأعظم و اختلف الترتیب بهذا البدیع الذی لم تر عین الابداع شبهه، ان لم تشر الی القدرة و الجلال اللذین قدر لهذا النظام الاداری أن یکشف عنهما باعتباره بدایة ظهور رابطة الشعوب البهائیة المقبلة«؟…
»و لا یقللن أحد من شأن هذا النظم الالهی الذی لا یزال فی عهد طفولته أو یشوهن هدفه. فالصخرة التی شید علیها ذلک النظام الاداری هی ما أراده الله للانسانیة فی هذا الیوم ارادة محتومة. و ان المنبع الذی یستقی منه الهاماته هو بهاءالله نفسه لا غیره… و الهدف المرکزی و الأساسی الذی یقوم علیه و یحییه هو تأسیس النظام العالمی الجدید وفقا لما أشار به بهاءالله…»
ثم فی رسالته المؤرخة 11 / 3 / 1936 یقول شوقی أفندی ما ترجمته: (2).
»ان التباین المشهود بین الأدلة المتجمعة علی تراص دین الله تراصا ثابتا راسخا مرافقا لنشوء النظام الاداری و بین قوی التفسخ التی تهدم بناء هیئة اجتماعیة متعبة هو تباین واضح یستوقف الفاحصین و یأخذ بالألباب. ففی داخل و خارج العالم البهائی هناک علامات و امارات متزایدة یوما فیوما تبشر بطریقة غیبیة بمیلاد ذلکم النظام العالمی الالهی الذی یشیر تاسیسه الی مجیء العصر الذهبی لدین الله…
»و تعلن ذلک کلمات بهاءالله بالنص: «سوف یطوی بساط الدنیا و یبسط بساط آخر و یبقی العزة و الملک لله العلیم الحکیم» (3).
»… یجب أن یعتبر الظهور الذی أفاض به بهاءالله بأنه یشیر الی بلوغ الجنس البشری بلوغا تاما، و یجب أن لا ینظر الیه کمجرد بعث روحانی جدید فی سلسلة
مصائر البشریة المتغیرة علی الدوام، و لا أن یعتبر مرحلة أخری فی سلسلة مراحل الالهام الالهی المتطور و حتی أنه لا یعتبر کذلک نهایة سلسلة الرسالات الالهیة المتعاقبة بل یعتبر آخر و أعلی مرحلة من مراحل التطور الهائل الذی تطورت الیه الحیاة البشریة بمجموعها علی هذه الکرة الأرضیة. و ان بروز هیئة اجتماعیة عالمیة و کذلک ظهور الوعی بالمواطنة العالمیة و تأسیس حضارة و ثقافة عالمیة، کل هذه یجب أن تعتبر أقصی الحدود فی تنظیم الهیئة الأجتماعیة البشریة بقدر ما یختص الموضوع بالحیاة علی سطح هذه الکرة الأرضیة بالرغم من أن الانسان کفرد سوف یستمر بل یجب أن یستمر علی التقدم و التطور استمرارا لا حدود له و ذلک نتیجة لوصول البشریة الی هذا الحد من الکمال فی البلوغ…
»ان وحدة الجنس البشری کما رسمها بهاءالله تتضمن فی مدلولها تأسیس رابطة شعوب عالمیة تتحد فیها جمیع الأمم و الأجناس و العقائد و الطبقات اتحادا وثیقا متمادیا، و فیها یصان الاستقلال الذاتی للدول الأعضاء کما تصبان حریات الأفراد المکونین لها و ابداعهم و مبادرتهم. و رابطة الشعوب العالمیة هذه یجب أن تتألف فی حدود ما نستطیع أن نتصوره فی الوقت الحاضر من هیئة تشریع عالمیة یسیطر أعضاؤها علی جمیع منابع الأمم المکونة لها باعتبارهم أمناء علی جمیع الجنس البشری و الشعوب و سد احتیاجاتها و تنظیم ارتباطاتها. و ان هیئة تنفیذیة عالمیة تسندها قوة دولیة سوف تنفذ القرارات التی تصدرها هیئة التشریع العالمیة و تطبق القوانین التی تشرعها و تحرس الوحدة الأساسیة لرابطة الشعوب العالمیة بمجموعها. و ان محکمة دولیة سوف تقاضی و تصدر قرارها النهائی الالزامی فی جمیع المنازعات التی تنشب بین العناصر المختلفة المکونة لهذا النظام العالمی، و سوف تبتکر وسیلة للاتصالات الدولیة تحتضن جمیع الکرة الأرضیة و تکون متحررة من العوائق و القیود القومیة و تقوم بوظائفها بسرعة رائعة و بانتظام تام. و ستکون عاصمة عالمیة المرکز العصبی لحضارة عالمیة و النقطة التی فیها تتجمع جمیع القوی الموحدة للحیاة و منها یشع نشاط نفوذها الفعال. و ان لغة عالمیة سوف تخترع أو تنتخب من بین اللغات الموجودة فی العالم و تدرس فی مدارس جمیع الأمم المتحدة باعتبارها لغة مساعدة الی جانب لغة الأم، و أن خطا عالمیا و أدبا عالمیا و نظاما عالمیا موحدا للنقد و الموازین و المکابیل سوف یسهل اختلاط الأمم و الأجناس و یجعله بسیطا
یسیرا. و فی مثل هذه الجامعة العالمیة سوف یتفق الدین و العلم باعتبارهما القوتین المؤثرتین فی الحیاة البشریة و سوف یتعاونان و یتطوران بکل وفاق. و سوف لن تعود الصحافة تحت نظام اداری مثل هذا النظام لتکون أداة تستغل استغلالا سیئا مضرا لخدمة مصالح معینة شخصیة أو عمومیة و سوف تتحرر من نفوذ الحکومات المتناحرة و الشعوب المتعادیة و تمنح أقصی المدی فی حریة التعبیر عن الآراء المتنوعة و المعتقدات المتباینة. و سوف تنظم المنابع الاقتصادیة فی العالم و تستثمر منابع المواد الخام استثمارا کاملا و ترتب و تطور أسواقها و ینظم توزیع منتجاتها تنظیما عادلا.
»و لن تعود منافسات القومیات و عداواتها و مؤامراتها بل تستبدل عداوة الأجناس و تعصباتها بالمحبة بین الأجناس و بالتفاهم و بالتعاون، و سوف تستأصل أسباب المشاحنات الدینیة نهائیا، و تمحی الحواجز و القیود الاقتصادیة محوا تاما و تطمس آثار التمییز المتطرف بین الطبقات و سوف یختفی الفقر المدقع الذی یری فی جهة واحدة کما یختفی فی الجهة المقابلة الأخری تراکم الملکیة المفرط. و تلک الطاقات الهائلة التی تهدر و تبذر علی الحروب سواء الحروب الاقتصادیة أو السیاسیة سوف تکرس الی غایات توسیع مدی الاختراعات البشریة، و الی تطویر التکنولوجیا، و الی زیاة القابلیات الانتاجیة البشریة، و الی استئصال المرض، و الی توسیع البحوث العلمیة، و الی رفع مستویات الصحة البدنیة، و الی شحذ العقول البشریة و تنقیتها، و الی استغلال منابع الکرة الأرضیة التی لم تستغل أو التی لم تستکشف، و الی اطالة الأعمار البشریة، و الی ترقیة أیة وکالات تستطیع انعاش الحیاة الفکریة و الخلقیة و الروحانیة فی عموم الجنس البشری.«
»و ان نظاما فیدرالیا (اتحادیا) عالمیا یحکم جمیع الأرض و یمارس سلطة لا یمکن تحدیها علی جمیع منابعه الواسعة التی لا یمکن تصورها و یوحد جمیع المثل العلیا للشرق و الغرب و یجسدها و یکون متحررا من لعنة الحرب و بلایاها و منکبا علی استثمار جمیع الطاقات الموجودة علی سطح الکرة الأرضیة و فیه تکون القوة عبدا للعدل و تقوم حیاته علی الاعتراف الشامل بالله الأحد و علی الولاء لدین الهی عام – نعم ان مثل هذا النظام هو الهدف الذی تتقدم نحوه انسانیة تدفعها القوة الموحدة للحیاة.«
»ان جمیع البشریة متلهفة الی أن تقاد الی الوحدة و الی انهاء عصر استشهادها
الطویل، و مع ذلک ترفض بعناد أن تحتضن النور و تعترف بسلطنة القوة الوحیدة التی تستطیع وحدها أن تستخلصها من ورطتها و تحول عنها الکارثة المریعة التی تهدد بالاحاطة بها و التحدیق بکیانها…
»ان مبدأ توحید البشریة بکاملها هو سمة المرحلة التی تقترب منها الجامعة البشریة الآن. و لقد نجحت محاولات تأسیس وحدة الأسرة، و وحدة القبیلة، و وحدة دولة المدینة، و وحدة الأمة، و بقیت وحدة العالم هدفا تسعی نحوه بشریة قد أنهکت قواها.
»و ها قد انتهی بناء الشعوب و تتوجه الفوضی الکامنة فی سیادة الدولة الی أوجها. و ان العالم و هو متوجه نحو مرحلة البلوغ یجب علیه أن ینبذ هذا الوثن و یعترف بوحدة العلاقات البشریة بکاملها و یؤسس أخیر الأداة التی تستطیع أن تتجسد هذا المبدأ الجوهری الضروری لحیاتها أحسن تجسد» (4).
ثم فی شهر تشرین الأول (أکتوبر) من عام 1985 أصدر بیت العدل الأعظم، و هو المرجع الأعلی للبهائیین فی العالم، بیانا جاء فیه:
»… ان الخطوات التجریبیة التی اتخذت فی سبیل تحقیق النظام العالمی، و خاصة تلک التی تم اعتمادها منذ الحرب العالمیة الثانیة توحی بدلائل تبشر بالأمل. فتزاید الاتجاه لدی مجموعات الأمم نحو اقامة علاقات تمکنها من التعاون فیما بینها فی القضایا ذات المصالح المشترکة یشیر الی أن الأمم کلها باستطاعتها التغلب علی حالة الشلل هذه فی نهایة المطاف. فرابطة دول جنوب شرق آسیا، و جامعة دول البحر الکاریبی و سوقها المشترکة، و السوق المشترکة لدول أمریکا الوسطی، و المجلس الاقتصادی للتعاون المشترک، و مجموعة الدول الأوربیة، و جامعة الدول العربیة، و منظمة الوحدة الأفریقیة، و منظمة دول القارة الأمریکیة، و منتدی دول الباسیفیک الجنوبی – ان کل هذه التنظیمات و کل جهودها المشترکة تمهد السبیل أمام قیام نظام عالمی…
»و الاعتراف بمبدأ وحدة العالم الانسانی یستلزم، من وجهة النظر البهائیة، أقل
ما یمکن اعادة بناء العالم المتمدن بأسره و نزع سلاحه، لیصبح عالما متحدا اتحادا عضویا فی کل نواحی حیاته الأساسیة، فیتوحد جهازه السیاسی، و تتوحد مطامحه الروحیة، و تتوحد فیه عوالم التجارة و المال، و یتوحد فی اللغة و الخط، علی أن یبقی فی ذات الوقت عالما لا حدود فیه لتنوع الخصائص الوطنیة و القومیة التی یمثلها أعضاء هذا الاتحاد…
»ان التفاؤل الذی یخالجنا مصدره رؤیا ترتسم أمامنا، و تتخطی فیما تحمله من بشائر نهایة الحروب و قیام التعاون الدولی غبر الهیئات و الوکالات التی تشکل لهذا الغرض، فما السلام الدائم بین الدول الا مرحلة من المراحل اللازمة الوجود، ولکن هذا السلام لیس بالضرورة، کما یؤکد بهاءالله، الهدف النهائی فی التطور الاجتماعی للانسان. انها رؤیا تتخطی هدنة أولیة تفرض علی العالم خوفا من وقوع مجزرة نوویة، و تتخطی سلاما سیاسیا تدخله الدول المتنافسة المتناحرة و هی مرغمة، و تتخطی ترتیبا لتسویة الأمور یکون اذعانا للأمر الواقع بغیة احلال الأمن و التعایش المشترک، و تتخطی أیضاء تجارب کثیرة فی مجالات التعاون الدولی تمهد لها الخطوات السابقة جمیعها و تجعلها ممکنة. انها حقا رؤیا تتخطی ذلک کله لتکشف لنا عن تاج الأهداف جمیعا، ألا و هو اتحاد شعوب العالم کلها فی أسرة عالمیة واحدة«.
و قبل ثلاث سنوات من بیانات شوقی أفندی کان الصهیونی باروخ لیفی قد صرح بتاریخ 1 / 6 / 1928:
»اذا اعتبرنا الشعب الیهودی وحدة لاتتجزأ، فسیکون هو نفسه المسیح المنتظر و سیطرته علی العالم ستتحقق باندماج الأدیان و الأجناس، و الغاء الحدود بین الدول و الممالک، و من ثم انشاء جمهوریة عالمیة تمنح الیهود الحقوق المدینة فی سائر أنحاء الأرض.
»و فی هذا التنظیم الجدید للبشریة، سینتشر بنو اسرائیل فی کل أرجاء الدنیا، و سیصبحون، فی کل مکان، العنصر القائد، بدون منازع، لا سیما اذا تمکنوا من فرض سیطرة حازمة علی الطبقات العمالیة.«
»حکومات الشعوب التی ستتألف منها الجمهوریة العالمیة ستنتقل دون أی عناء
الی قبضة الیهود، بمساعدة البرولیتاریا المنتصره. و سیحظر الحکام الیهود الأملاک الفردیة الخاصة، بعدما یسیطرون فی کل مکان علی جمیع الموارد المالیة العامة.
»بهذا یکون قد تحقق وعد التلمود الذی یقول أنه حینما تحین ساعة ظهور مسیح الیهود المنتظر، سیملکون مفاتیح ثروات العالم» (5).
و بالمقارنة بین هذه التصریحات المتقاربة، زمانا و موضوعا، یتضح جانب کبیر من الحقیقة.
أخیرا یقول فرناندو سانث، أحد أعضاء بیت العدل الأعظم البهائی، فی تصریحه لجریدة «المسلمون» الصادرة فی لندن بتاریخ 23 / 8 / 1986 : انه فی عام 2000 م فان السلام الأصغر سیحصل و البلاد المختلفة ستتوحد أولا بشکل امارات کونفدرالیة و بعد ذلک تتکون الأمة العالمیة الواحدة التی یحکمها البهائیون (6).
یقول هذا البهائی ذلک، فی حین أن بیت العدل الأعظم ذاته الذی هو عضو فیه، کان قد حدد فی بیانه الصادر عام 1985، الذی سبقت الاشارة الیه، عدد البهائیین فی العالم وقت صدور البیان به ثلاثة أو أربعة ملایین تقریبا من البشر، و ذلک بعد مئة و ثلاثین عاما من ظهور البهائیة، فأنی له بلوغ غایته بتوحید العالم تحت زعامة البهائیین فی غضون أربعة عشر عاما من تصریحه، اللهم الا اذا کان البهائیون یعملون ضمن اطار منظومة عالمیة، و هو مانؤکده.
ثم کانت حرب الخلیج الأخیرة، التی اتخذت شکل فیلم سینمائی أنتجته هولیود قبل عدة سنوات من وقوع الحرب (7) فاذا بعبارة «النظام العالمی الجدید» تبرز مجددا علی الساحة العالیة، مشفوعة بمرآی الحرب التی یلوح بها عادة دعاة انشاء الحکومة العالمیة.
و ما ان طرح الرئیس الأمریکی جورج بوش عبارة «النظام العالمی الجدید»
للتداول حتی تبناها البهائیون، فأخذت نشراتهم العدیدة فی الولایات المتحدة و أوربا تحفل بکتابات عن هذا النظام تضفی علیه طابعا دینیا. و قد أصدرت النشرة الرسمیة للجماعة الدولیة البهائیة – و هی نشرة تصدر باسم «بلد واحد» – عددا خالصا لها بعنوان «نحو نظام عالمی جدید«، تقول فیه ان هذا النظام الجدید «سیخرج من وسط الفوضی و الأزمات و یخلق نوعا من الکومنولث العالمی، و نظاما تشریعیا عالمیا، و رئاسة تنفیذیة عالمیة و نظاما قضائیا عالمیا واحدا… بالسرعة التی یستطیع بها عالمنا الحدیث وحده بامکاناته فی مجال الاتصالات أن یحقق ذلک بدا بالامکان أن یظهر فجأة تعبیر النظام العالمی الجدید و دخل قاموس المصطلحات السیاسة للعالم. ان زعماء العالم و صحفییه و أکادیمییه قد احتضنوا هذه الجملة، و مع أن معناها لایزال یحتاج الی تحدید و تعریف کامل الا أنه من الواضح أن المصطلح یشکل الآن اطار المناقشة حول کیفیة تنظیم المرحلة المقبلة من الحیاة السیاسیة الجماعیة لهذا الکواکب» (8).
و تضیف النشرة أن مؤسس البهائیة و نبیها بهاءالله قد استخدم هذا المصطلح نفسه قبل 100 عام لوصف سلسلة من التغییرات الهائلة التی توقع أن تحدث فی العالم و تحوله الی کومنولث موحد و سلمی (9).
و لقد أشار بیان بیت العدل الأعظم الصادر فی شهر تشرین الأول (أکتوبر) من عام 1985، الی بعض الاجزاءات العملیة لاقامة النظام العالمی الجدید، فنقل ابتداء قول بهاءالله: [سیأتی الوقت الذی یدرک فیه العموم الحاجة الملحة التی تدعو الی عقد اجتماع واسع یشمل البشر جمیعا. و علی ملوک الأرض و حکامها أن یحضروه، و أن یشترکوا فی مداولاته، و یدرسوا الوسائل و الطرق التی یمکن بها ارساء قواعد السلام العظیم بین البشر]…
ثم أضاف البیان قائلا: «أما فیما یختص بالاجراءات المتعلقة بذلک الاجتماع العالمی، فقد عرض عبد البهاء، ابن بهاءالله، و الذی خوله والده صلاحیة بیان
تعالیمه، هذه العبارات المتسمة بنفاذ البصیرة: [علیهم أن یطرحوا أمر السلام علی بساط المشورة العامة، و أن یسعوا بکل وسیلة متاحة لهم الی تأسیس اتحاد یجمع دول العالم، و علیهم توقیع معاهدة ملزمة للجمیع، و وضع میثاق بنوده محددة، سلیمة و حصینة. و علیهم أن یعلنوا ذلک علی العالم أجمع و أن یحرزوا موافقة الجنس البشری بأسره علیه. فهذه المهمة العلیا النبیلة – و هی المصدر الحقیقی للرفاهیة و السلام بالنسبة للعالم کله – یجب أن ینظر الیها جمیع سکان الأرض علی أنها مهمة مقدسة…].
»ان انعقاد هذا الاجتماع العظیم قد طال انتظاره.«
»اننا بکل مایعتلج فی قلوبنا من صادق المشاعر نهیب بقادة کل الدول أن یغتنموا الفرصة المؤاتیة لاتخاذ خطوات لا رجوع عنها من أجل دعوة هذا الاجتماع العالمی الی الانعقاد. و جمیع قوی التاریخ تحث الجنس البشری علی تحقیق هذا العمل الذی سوف یسجل علی مدی الزمان انبثاق الفجر الذی طال ترقبه، فجر بلوغ الانسانیة نضجها.«
»فهل تنهض الأمم المتحدة، بالدعم المطلق من کل أعضائها، و ترتفع الی مستوی هذه الأهداف السامیة لتحقیق هذا الحدث المتوج لکل الأحداث؟.«
»فلیدرک الرجال و النساء و الشباب و الأطفال، فی کل مکان، ما سیضفیه هذا الحدث الضروری علی جمیع الشعوب من تشریف و اعزاز دائمین. و لیرفعوا أصواتهم. بالموافقة و الحفز علی التنفیذ. ولیکن هذا الجیل، فعلا، أول من یفتتح هذه المرحلة المجیدة من مراحل تطور حیاة المجتمع الانسانی علی ظهر هذا الکواکب الأرضی«.
فهل کانت الاستجابة لهذه الدعوة، و کانت الخطوة الأولی علی هذا الطریق، متمثلة فی مؤتمر قمة الأرض الذی انعقد فی ریو دی جانیرو، فی حزیران من عام 1992، الذی سمی رسمیا: «مؤتمر الأمم المتحدة حول البیئة و التنمیة«. و کانت الخطوة الثانیة علی الطریق ذاته «المؤتمر العالمی لحقوق الانسان» الذی انعقد فی فیینا فی حزیران 1993، و هل تکون معاهدة ما ستریخت، المتعلقة بالوحدة الأوربیة، التی أعرب الرئیس الأمریکی جورج بوش فی خطابه أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة بتاریخ 1 / 10 / 1990 عن أمله فی أن یقتدی العالم بها، تشکل الخطوة الثالثة؟. و هل یکون
هناک قریبا جدا مؤتمر قمة عالمی لقضایا السلام؟! یعقبه مؤتمر قمة عالمی لتنصیب ملک من نسل داوود علی الحکومة العالمیة!.
کم من خطوات اذا حدثت و تحدث الآن علی الطریق، و کم خطوة ما تزال أمام هذا النظام؟.
ما من شک فی أنهم یستحثون الخطی، فالموعد الذی حدوده قریب، و ربما یحتاج الی الهرولة.
لکن مامدی جدة هذا النظام العالمی الجدید:
یقول الداعیة البهائی جون أسلمنت: «و من الرسل من کانت له مهمة سامیة خاصة. و کلما انقضت بضعة قرون ظهر رسول الهی فی الشرق، أمثال کرشنا و زردشت و موسی و عیسی و محمد… و قد امتلأت أقوالهم المدونة باشارات و وعود تبشر بظهور معلم عظیم للعالم، یظهر فی «وقت المنتهی«، لیتمم عملهم حتی یؤتی ثمرته، و هو یؤسس حکم السلام و العدل علی الأرض، و یجمع فی أسرة واحدة کل الأجناس و الأدیان و الأمم و القبائل، لیکون هناک «قطیع واحد وراع واحد» و لیعرفوا الله و یحبوه من «أصغرهم الی أکبرهم«.
»حقا ان مجیء هذا «المربی للانسانیة» فی آخر الأیام هو أعظم حدث فی التاریخ البشری. و لقد أعلنت الدیانة البهائیة للعالم بشارة ظهور هذا «المربی» ظهورا فعلیا، و أن أمره قد تم و تدون، و انه یمکن لکل باحث غیور أن یدرسه، و أن فجر «یوم الرب» قد تنفس، و أن «شمس الحقیقة» قد أشرقت…
»قد أصبح معلوما لدی العموم، اختراق العالم فی القرن التاسع عشر و ابتداء القرن العشرین سکرات موت العصر القدیم و طلقات ولادة العصر الجدید، و قد أخذت أصول المادیة القدیمة و المصلحة الفردیة و التعصبات و العداوات الوطنیة و المذهبیة بالاضمحلال، و صارت أمورا مفضوحة یجب نبذها، بسبب التدمیرات التی نشأت عنها، و فی کل جهة من جهات العالم نری علامات روح ایمان جدید و أخوة دولیة تکسر القیود القدیمة و تتجاوز الحدود العتیقة. و تجری الآن فی جمیع شؤون الحیاة الانسانیة تحولات ثوریة ذات شأن عظیم لم یسبق لها مثیل، و تری العصر القدیم فی
صراع دائم مع العصر الجدید، و فی تقلب بین الحیاة و الموت، و لم یتم للآن احتضاره…
»فما هو السبب یاتری فی هذه الیقظة الفجائیة فی العالم؟«
»یعتقد البهائیون أنها ترجع الی نفثات الروح القدس الفائضة من الرسول بهاءالله الذی ولد فی ایران سنة 1817 و صعد فی الأرض المقدسة سنة 1892… «
»فمجیء المظهر هو کمجیء الربیع، و هو یوم القیامة الذی یقوم فیه أموات الروح الی حیاة جدیدة، و تتجدد فیه، بل و تتأسس من جدید حقائق الأدیان الالهیة، و فیه تظهر «سماء جدیدة و أرض جدیدة«…
»… و علی هذا المنوال یکون العالم الروحانی، فیسبب اشراق الشمس الروحانیة تغیرا و حرکة مشابهة، و کذلک یکون یوم القیامة یوما للجزاء فتزول فیه و تنبذ کل أشکال الفساد و الأفکار و العادات العتیقة و کل الخرافات و التقالید، و تذوب ثلوج الأوهام و التعصبات التی تراکمت فی أزمنة الشتاء، و تنطلق القوی التی تجمدت طویلا لتغمر العالم و تجدده» (10).
و یقول جون أسلمنت کذلک: «و یصرح بهاءالله أن «مرحلة جدیدة» و زمان «ولادة جدیدة» للبشریة علی الأبواب، کما أن للأحیاء أزمنة انتقال الی حیاة جدیدة أتم و أکمل. و عندئذ ستتبدل أوضاع الحیاة التی استمرت قائمة منذ فجر التاریخ حتی وقتنا الحاضر تبدلا قطعیا سریعا و ستدخل الانسانیة الی صفحة جدیدة من الحیاة تختلف عن الصفحة القدیمة اختلاف الفراشة عن الدودة التی تحولت عنها أو اختلاف الطیر عن البیضة التی نشأ منها، وستنال الانسانیة جمعاء تحت نور الظهور الجدید بصیرة جدیدة تبصر بها الحقیقة، و کما أن بلدا کاملا یتنور عند شروق الشمس، کذلک البشر جمیعهم سیرون رؤیة واضحة، و لا شک أن کل شیء یکون مظلما معتما قبل ساعة واحدة من الشروق. و بعد الشروق یصبح کل شیء منیرا (11).
فما هی عناصر جدة هذا النظام؟:
اتضح آنفا (ص 16) أن ورقة الدولار الأمریکی تحمل الشعار «نظام جدید للعصور» بمعنی أن ثمة نظاما قدیما جدیدا ماثلا فی کل العصور، لا جدید فیه غیر اسمه أو بعض الرتوش التی یضفونها علیه.
و یقول داعیة البهائیین جون أسلمنت ذاته: «و عندما تصبح الأدیان مکیفة و محورة لتطابق النمط العصری الحدیث تفقد قوتها فی انقاذ الناس و تبدیل قلوبهم، و تفقد قوتها فی عمل المعجزات. فالدین الحقیقی لم یکن یوما ما مکیفا و محورا لیطابق النمط العصری الحدیث. ولو فرض أن أصبح الدین یوما ما مکیفا فالواقع أنه یبقی کما کان الأمر فی أیام المسیح» (12).
کتب البهائی محمد أفندی توفیق غریب عن خطبة ألقاها عبد البهاء فی جامعة ستانفورد بأمریکا فی 8 أکتوبر 1912:
»قدم الرئیس غردون حضرة الخطیب للحضور قائلا:
»کان من حسن حظنا أن عرفنا أحد الفرس بأحد أکابر المعلمین الدینیین و أحد خلفاء أنبیاء بنی اسرائیل الأقدمین. و قد ینعته بعض الناس بأنه مؤسس دیانة جدیدة یتبعه نیف و ثلاثة ملایین من النفوس، ولکن هذا غیر صحیح، فدیانة الأخوة العامة و المحبة التامة بین الأمم قدیمة منذ کانت النیة الحسنة و الحیاة لطیبة، و یمکن أن یقال عنها من بعض الوجوه أنها أقدم دیانة…
و قد علق الکاتب غریب علی الخطبة قائلا: «ان حضرة عبدالبهاء مجد فی تغییر دیانة آسیا یوحد بین المسلمین و الیهود و یجمعهم علی أصول نوامیس موسی الذی یؤمنون به جمیعا… (13).
و فی سان فرانسیسکو بکالیفورنیا ألقی عبدالبهاء عباس خطابا فی المجمع الیهودی عام 1912، و قد ألقی الحاخام میارفی کلمة قبل الخطاب للتعریف بعبدالبهاء قال فیها:
»من حسن حظنا، و هو لا شک حظ سعید، أن نرحب هذا الصباح بعبدالبهاء المعلم العظیم فی عصرنا هذا.«
»ان قلب الشرق دینی محض، بقطع النظر عما اذا کان یوجد غیر الدین فیه، و فی کل مدة بعد أخری ینبغ من قلب الشرق من یعلم و یعید التعالیم الدینیة، فعبد البهاء هو ممثل أحد المذاهب الدینیة فی هذه الحیاة، و هذا یجیء عند میلنا نحن الیهود لأننا نشعر بأننا امتلکنا هذه التعالیم فی سائر أجیال الانسان.
»و فی هذا الصباح سیتکلم بلغته الوطنیة بواسطة ترجمانه الدکتور أمین فرید «فی أصل اتحاد المذاهب الدینیة» و أنا لا أشک فی أن ما سیقوله یهمنا، و سلفا نشکره علی کلامه… (14).
و یقول البهائی عبدالرحمن البرقوقی:
»اذن فلاشک فی أن العقائد البهائیة لیست جدیدة فی ذاتها و لا حدیثة فی تفاصیلها، بل هی أقدم عهدا من شم الجبال ولکن تطبیقها فی هذه الأیام المضطربة الکثیرة الضوضاء و اللجب و الجلبة تجعلها جدیدة. فهلا یسمع العالم ذلک الصوت العالی المنادی بالمساواة المطلقة و المؤذن بالأخوة الروحانیة العامة، هلا سمع العالم نداء الأنبیاء (15).
1) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، أسلمنت، ص 271.
2) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، أسلمنت، ص 277.
3) کتاب آثار قلم أعلی ج 1 ص 310.
4) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، أسلمنت، ص 271 – 280.
5) »الیهود«، زهدی الفاتح، ص 101.
6) عن کتاب «البهائیة و القادیانیة» للدکتور أسعد السحمرانی ص 124.
7) فیلم الدفاع الأفضل الذی ظهر عام 1984 و جری تصویره فی اسرائیل – مجلة «العربی» الکویتیة، عدد 353، نیسان 1988.
8) مجلة الکفاح العربی، العدد 747 ، 23 / 11 / 1992، ص 5.
9) المصدر السابق.
10) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، جون أسلمنت، ص 4.
11) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، جون أسلمنت، ص 128.
12) منتخبات من کتاب بهاءالله و العصر الجدید، ص 80.
13) عبدالبهاء و البهائیة، لسلیم قبعین، ص 93.
14) عبدالبهاء و البهائیة، لسلیم قبعین، ص 54.
15) فی مجلة البیان 1331 ه، عدد شوال و ذی القعدة – عبدالبهاء و البهائیة، سلیم قبعین، ص 111.