امتدت نیابة أبیجعفر محمد بن عثمان العمری (رضوان الله علیه) للامام علیهالسلام زمنا طویلا لم یحصل لأی واحد من النواب الآخرین. فقد تولی ذلک فی حیاة الامام الحسن علیهالسلام مع أبیه رحمه الله للامام الحسن ثم المهدی علیهالسلام، و استمر مع أبیه حتی توفی ثم قام بذلک منفردا حتی وفاته سنة 304 أو 305 ه.، و قد قدروا مدة تولیه للنیابة بنحو خمسین سنة (1).
و لذلک، فمن المتوقع أن یکون ما جاء بوساطته من آثار الامام علیهالسلام و توقیعاته کثیرا جدا، و لم یصلنا منه الا القلیل لما بیناه من الأسباب. و مع ذلک فما أثر عنه رحمه الله أکثر مما هو عن غیره..
و من الآثار المعروفة التی جاءت عن طریقه بعض الأدعیة، کالدعاء الذی ورد فی کتب الدعاء «أنه یقرأ فی کل یوم من رجب (2)؛ و هو – کما یری العارفون – من أهم الأدعیة فی مضامینه المعرفیة المتصلة بولایة الخلق الأول، أی المبادئ القائمة بربها، و المقومة لما بعدها بحکم ما
یقتضیه الخلق من سلسلة طولیة و أکوان متعددة تکون وسطا و أسبابا لکون الکائن المرکب» (3).
و کدعاء الافتتاح المشهور الذی یقرأ فی لیالی رمضان (4)، و لا حاجة لبیان أنه من أهم الأدعیة فی لغته و أسلوبه و مضامینه العقائدیة، فهذا الجانب ملحوظ لدی کل من قرأه، و لقد رأیت شخصا غمرته روعة أسلوبه و معانیه، و هو یقرأه، فرفع رأسه قائلا: کیف یقولون: انه غائب و هذا نوره یضیء قلوبنا و هذه أنفاسه تهزنا من العمق؟
و ذکرت أدعیة و زیارات أخری نسبت الی الامام علیهالسلام و أنها صدرت فی زمن الشیخ رحمه الله یمکن من شاء مراجعتها و التأکد من نسبتها من مصادرها الخاصة، ککتب الأدعیة و الزیارات المعروفة، و الکتب المؤلفة فی الامام علیهالسلام و نوابه و ما صدر عنهم.
و من توقیعاته علیهالسلام بوساطته ما رواه محمد بن یعقوب الکلینی عن اسحاق بن یعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمری، رحمه الله، أن یوصل لی کتابا قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علی، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان علیهالسلام:
»أما ما سألت عنه، أرشدک الله و ثبتک و وقاک، أمر المنکرین لی من أهل بیتنا، و بنی عمنا، فاعلم أنه لیس بین الله عزوجل و بین أحد قرابة، و من أنکرنی فلیس منی و سبیله سبیل ابن نوح.
و أما سبیل عمی جعفر و ولده فسبیل أخوة یوسف، و أما الفقاع فشربه حرام و لا بأس بالشلماب.
و أما أموالکم فلا نقبلها الا لتطهروا، فمن شاء فلیصل و من شاء فلیقطع، و ما آتانا الله خیر مما آتاکم.
و أما ظهور الفرج فانه الی الله، و کذب الوقاتون.
و أما قول من زعم أن الحسین علیهالسلام لم یقتل فکفر و تکذیب و ضلال (5).
و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها الی رواة حدیثنا فانهم حجتی علیکم، و أنا حجة الله.
و أما محمد بن عثمان العمری فرضی الله عنه و عن أبیه من قبل فانه ثقتی و کتابه کتابی.
و أما محمد بن علی بن مهزیار الأهوازی فسیصلح الله قلبه، و یزیل شکه…
و أما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا الا لما طاب و طهر، و ثمن المغنیة حرام (6).
و أما محمد بن شاذان بن نعیم فانه رجل من شیعتنا أهل البیت.
و أما أبوالخطاب محمد بن أبیزینب الأجدع (من رؤوس الغلاة) فملعون، و أصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فانی منهم بریء و آبائی منهم براء.
و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شیئا فأکله فانما یأکل النیران.
و أما الخمس فقد أبیح لشیعتنا و جعلوا منه فی حل الی وقت ظهور أمرنا لنطیب ولادتهم، و لا تخبث.
و أما ندامة قوم شکوا فی دین الله علی ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال فلا حاجة الی صلة الشاکین.
و أما علة ما وقع من الغیبة فان الله عزوجل یقول: «یا أیها الذین آمنوا لا تسألوا عن أشیاء ان تبد لکم تسؤکم» [المائدة: 101] انه لم یکن أحد من آبائی الا و قد وقعت فی عنقه بیعة لطاغیة زمانه، و انی أخرج حین أخرج و لا بیعة لأحد من الطواغیت فی عنقی.
و أما وجه الانتفاع بی فی غیبتی فکالانتفاع بالشمس اذا غیبتها عن الأبصار السحاب (7)، و انی لأمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء (8)، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا یعنیکم، و لا تتکلفوا علم ما قد کفیتم، و أکثروا الدعاء بتعجیل الفرج فان ذلک فرجکم. و السلام علیک یا اسحاق بن یعقوب و علی من اتبع الهدی» (9).
1) المصدر نفسه، ص 223.
2) الکفعمی، المصباح، ص 529، ط 2، سنة 1395 ه.، مؤسسة الأعلمی – بیروت.
3) المجلسی، البحار، ج 1، ص 103 و 104، و عدنان البکاء، المضمون المعرفی و الأخلاقی فی أدعیة أهل البیت علیهمالسلام، مخطوط.
4) حسین معتوق، منهج الدعوات، ص 52، عباس الحسینی الکاشانی، مصباح الجنان، ص 455، و الشیخ عباس القمی، مفاتیح الجنان، ص 179، و الأخیر لم یذکر نسبته للامام المهدی علیهالسلام و لا دعاء أبیجعفر العمری به.
5) من مزاعم الغلاة، لعنهم الله، بالنسبة للأئمة؛ و منهم علی و الحسین علیهماالسلام، خلط بین ما أثبته الله و أثبتوه علیهمالسلام تبعا من الحیاة الأخرویة بالنسبة للشهداء و الصدیقین و بین الحیاة البدنیة، فان البدن لابد من موته بالقتل، أو بالصورة الطبیعیة بحکم بنائه المادی و ذلک مشهود حسا.
6) ما أکثر التوقیعات التی صدرت بارجاع أموال الی أصحابها و اخبارهم بما لم یعلموا هم أنفسهم بوجه الشبهة فیها: الصدوق، کمالالدین، ص 450.
7) هذا مثال رائع و مطابق، فالشمس رغم ما یبدو من تغطیة السحاب لها تظل أشعتها نافذة تضیء الأرض، و غیاب الامام علیهالسلام و اقتصار الصلة به علی الخاصة و بوساطة النواب، و بالتسدید الخفی فی ما یطلعه الله علیه من شؤون المسلمین أشبه بذلک؛ أی أن الافادة من علمه و برکاته و شفاعته تظل قائمة… و فی ما ذکرناه – من شواهد – و أشرنا الیه ما یکفی لاثبات ذلک.
8) النجوم مراکز استقطاب للکواکب، کما هو بالنسبة الی شمسنا بالنسبة الی توابعها. و بانفجارها أو موتها ینفرط عقد الکواکب. و ترتطم ببعضها و تفنی، و قد سجل العلم موت نجوم أصبحت ما یسمی بالثقوب السوداء، فابتلعت ما حولها من کواکب بل مجرات. راجع ستیفن هوکنغ، موجز تاریخ الزمن، فصل 6، الثقوب السوداء، ص 137 و ما بعدها.
9) الصدوق، کمالالدین و تمام النعمة، ص 451 و 452، الطبرسی، الاحتجاج، ج 2، ص 284 -281.