نشر فی جریدة Free Press بدوترویت Detroit الامریکیة مقال جاء فیه: «ان ما قد نشأ بیننا الآن من قلة الزواج و کثرة الطلاق و تفاحش العلاقات غیر المشروعة – الدائمة و العارضة – بین الرجال و النساء، یدل کله علی أننا راجعون القهقری الی البهیمیة. فالرغبة الطبیعیة فی النسل الی التلاشی، و الجیل المولود حیله علی غاربه، و الشعور بکون تعمیر الأسرة و البیت لازما لبقاء المدنیة و الحکم المستقل، یکاد ینتفی من النفوس. و بخلاف ذلک أصبح الناس ینشأ فیهم الاغفال لمآل المدینة و الحکومة و عدم النصح لهما…» (1).
»کل هذا الاتباع لأهواء النفس، و النفور من تبعات الزوجیة و التبرم بالحیاة العائلیة، و الارتخاء فی الروابط الزوجیة، یکاد یذهب فی المرأة عاطفة الأمومة الفطریة، التی هی أشرف العواطف الروحیة و اسماها فی النساء، و التی لا یقف
عیها بقاء الحضارة و التمدن فحسب، بل بقاء الانسانیة جمعاء. و ما نجمت سیئات منع الحمل و اسقاط الجنین، و قتل الأولاد، الا بنضوب هذه العاطفة فی نفس المرأة. فالمعلومات عن تدابیر منع الحمل موفورة لکل فتی و فتاة فی الولایات المتحدة الأمریکیة علی الرغم من قیود القانون. و الآلات و العقاقیر المانعة للحمل معروضة للبیع فی الحوانیت کالسلعة المباحة، تستصحبها دائما بنات المدارس و الکلیات – بله عامة النساء – لکی لا تفوت احداهن لذات عشیة من عشیات الشباب، ان نسی خدیتها أن یأخذ أدواته معه. فیکتب القاضی «لندسی» (فی محکمة دنفر(:
» 495 بنتا فی السن الباکرة من بنات المعاهد الثانویة اعترفن لی بأنهن کن قد جربن العلاقة الجنسیة مع الصبیان، الا أنه لم تحمل منهن الا خمس و عشرون. و اما الباقیات فسلم بعضهن من الحمل بمحض الاتفاق. و لکن کانت لأکثرهن خبرة کافیة بتدابیر منع الحمل. و هذه الخبرة قد عمت فیهن الی حد لا یکاد الناس یصبیون فی تقدیره…» (2).
»و قد ذکرت فی مجلة أمریکیة هذه الأسباب التی لا تزال تؤدی الی رواج الفحشاء و قبولها هناک، بالکلمات الآتیة: «عوامل شیطانیة ثلاثة یحیط ثالوثها یدنیانا الیوم. و هی جمیعها فی تسعیر لأهل الأرض: أولها الأدب الفاحش الخلیع الذی لا یفتأ یزداد فی وقاحته و رواجه بعد الحرب العالمیة (الاولی) بسرعة
عجیبة.. و الثانی الأفلام السینمائیة التی لا تذکی فی الناس عواطف الحب الشهوانی فحسب، بل تلقنهم دروسا عملیة فی بابه.. و الثالث انحطاط المستوی الخلقی فی عامة النساء الذی یظهر فی ملابسهن بل فی عریهن، و فی اکثارهن من التدخین، و اختلاطهن بالرجال بلا قید و لا التزام.. هذه المفاسد الثلاثة فینا الی الزیادة و الانتشار بتوالی الأیام. و لا بد أن یکون مآلها زوال الحضارة و الاجتماع النصرانیین و فناءهما آخر الأمر. فان نحن لم نحذ من طغیانها، فلا جرم أن یأتی تاریخنا مشابها لتاریخ الرومان و من تبعهم من سائر الأمم الذین قد اوردهم هذا الاتباع للشهوات و الأهواء موارد التهلکة و الفناء مع ما کانوا فیه من خمور و نساء و مشاغل و رقص و غناء«… (3).
1) المرجع نفسه ص 137.
2) یعلق الاستاذ سید قطب یقوله: کتب القاضی هذا الکلام فی ستة 1922 و هذه الحالة تعتبر رجعیة! فالتقدم لا یتوقف، و لعل هذا ما تریده بعض الصحف من صحافتنا، و تعتبره رسالة لها و لکنها لیست رسالة لحساب هذا البلد، و انما لحساب صهیون، و بروتوکولات صهیون.. ان واحدة من هذه الصحف تحدثت عن عدم کفایة الجیش الترکی لأن طائفة «الدونما» الصهیونیة قد اشاعت فیه الانحلال، فأصبح الضابط الترکی یصلح لکل شیء الا للقتال بعد ما ضیعته الصهیونیة و علمته التکسع فی شارع أتاتورک لمغازلة الفتیات.. فما الذی تصنعه هذه الصحف من شعوبنا؟ و هل تصنع الا ما صنعته الدونما فی ترکیا؟ لذلک یحق لا أن نسأل: لحساب من نعمل و تنشر فی شبابنا التمیع و الفساد؟ سید قطب: السابق ص 153.
3) المودودی: السابق، ص 153.