جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

و شهادة د. بنت الشاطی‏ء

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و یقدم لنا الاستاذ سید قطب بعد ذلک شهادة الطبیبة التی تحدثت عنها الدکتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطی‏ء» بعنوان «جنس ثالث فی طریقه الی الظهور» من مشاهداتها فی «فیینا«: «.. و شاءت الظروف أن أذهب فی عطلة الأحد، لزیارة صدیقة لی طبیبة باحدی ضواحی «فیینا» – بعد أسبوع مرهق قضیناه بین أوراق البردی العربیة فی دار الکتب – و کنت أحسب أن یوم الأحد هو أنسب وقت لمثل تلک الزیارة. فما کان أشد عجبی، حین فتحت لی صدیقتی باب بیتها معجلة، و فی یدها «بطاطس» تقشره. ثم قادتنی فی لطف الی مطبخها لنأخذ مجلسنا هناک.

و لم یغب عنها ما شعرت به من دهشة، فابتدرتنی قائلة:

ما کنت تتوقعین هذا المنظر: طیبة فی المطبخ، یوم الأحد!

قالت ضاحکة: «أما العمل یوم الأحد فربما فهمته. و أما اشتغالک بالطبخ مع ما أعرفه من ارهاق مهنتک، فهذا ما لم أنتظره..

فردت: «لو عکست لکنت أقرب الی الصواب، فالعمل فی عطلة الأحد هو المستغرب عندنا. لولا أنه فرصتی الوحیدة لکلی أقف هنا حیث ترین. و أما اشتغالی بالمطبخ، فلعلی لم اتجاوز به نطاق مهنتی. اذ هو من نوع العلاج لحالة قلق أعانیها و تعانیها معی سیدات أخریات من المشتغلات بالأعمال العامة.

»و لما سألتها عن سر هذا القلق – مع استقرار الوضع الاجتماعی للمرأة الغربیة – أجابت بأن ذلک القلق، لا صلة له بمتاعب الانتقال المفروضة علی جیل الطلیعة من نساء الشرق! و انما هو صدی شعور ببدء تطور جدید یتوقع حدوثه علماء الاجتماع و الفسیولوجیا و البیولوجیا فی المرأة العاملة، و ذلک لما لحظوا من تغیر بطی‏ء فی کیانها، لم یثر الانتباه أول الأمر، لولا ما سجلته الاحصاءات من اطراد النقص فی الموالید بین العلامات. و کان المظنون أن هذا النقص اختیاری محض و ذلک لحرص المرأة العاملة علی التخفف من أعباء الحمل و الوضع و الارضاع، تحت ضغط الحاجة و الاستقرار فی العمل. و لکن ظهر من استقراء الاحصاءات أن نقص الموالید للزوجات العاملات، لم یکن أکثره عن اختیار، بل عن عقم استعصی علاجه. و بفحص نماذج شتی منوعة من حالات العقم اتضح أنه فی الغالب لا یرجع الی عیب عضوی ظاهر. مما دعا العلماء الی افتراض تغیر طاری‏ء علی کیان الأنثی العاملة نتیجة لانصرافها المادی و الذهنی و العصبی – عن قصد أو غیر قصد – مشاغل الأمومة، و دنیا حواء، و تشبثها بمساواة الرجل، و مشارکته فی میدان عمله.

»و استند علماء الاحیاء فی هذا الفرض – نظریا – الی قانون طبیعی معروف، و هو ان «الوظیفة تخلق العضو» و معناها فیما نحن فیه أن وظیفة الأمومة هی التی خلقت فی حواء خصائص ممیزة للأنوثة، لا بد أن تضمر تدریجیا بانصراف المرأة عن وظیفة الأمومة و اندماجها فیما نسمیه «عالم الرجل«.

»ثم تابع العلماء هذا الفرض، فاذا التجارب تؤیده الی أبعد مما کان منتظرا، و اذا بهم یعلنون – فی اطمئنان مقرون بشی‏ء من التحفظ – عن قرب ظهور «جنس ثالث» تضمر فیه خصائص الأنوثة التی رسختها الممارسة الطویلة لوظیفة حواء. «و ثارت اعتراضات.. منها: أن کثرة العاملات ینفرن من العقم و یشتهین الولد. و منها: أن المجتمع الحدیث یعترف بالعاملة الأم و یحمی حقها فی العمل، و یتیح لها بحکم القانون، فرصة الجمع بین شواغل الأمومة و واجبات العمل. و منها: أن عهد المرأة بالخروج من دنیاها الخاصة لا یتعدی بضعة أجیال، علی حین یبلغ عمر خصائص الانوثة فیها ما لا یحصی من دهور و أحقاب.

»و کان الرد علی هذه الاعتراضات: أن اشتهاء الزوجة العاملة للولد یخالطه دائما الخوف من أعباثه، و الاشفاق من أثر هذه الأعباء علی طمأنینة مکانها فی محل العمل. ثم ان الاعتراف بالعاملة الأم قلما یتم الا فی حدود ضیقة، و تحت ضغط القانون. و ما أکثر ما یجد أصحاب العمل فرصتهم لتفضیل غیر الأمهات. و أما قصر عهد المرأة بالخروج، فیرد علیه بأن هذا الخروج – علی قرب العهد به – قد صحبه تنبه حاد الی المساواة بالرجل، و اصرار عنید علی التشبه به، مما عجل ببوادر التغییر، لعمق تأثیر فکرة المساواة علی أعصاب المرأة وقوة رسوخها فی ضمیرها.

»و ما یزال المهتمون بهذا الموضوع، یرصدون التغیرات الطارئة علی کیان الأنثی، و یستقرثون فی اهتمام بالغ دلالات الأرقام الاحصائیة لحالات العقم بین العاملات، و العجز عن الارضاع لنضوب اللبن، و ضمور الاعضاء المخصصة لوظیفة الأمومة«.. (1).


1) جریدة الاهرام.