و مما یحسن تسجیله هنا نص القانون الذی صدر بالعراق بتحریم النشاط البهائی رقم 105 لسنة 1970 و المنشور بالوقائع العراقیة العدد 188 المؤرخ 18 مایو 1970..
و کانت العراق احدی البلاد التی عاش فیها البهاء و نشر فیها دعوته و کان له أنصار و تابعون کثیرون.. و ظل فیها بعد نفیه من ایران مع أخیه نحو 13 سنة، و کان له و لتابعیه أملاک کثیرة فیها..
و هذا هو نص القانون (1).
باسم الشعب – رئاسة الجمهوریة.
استنادا لأحکام الفقرة (ج) من المادة الخمسین المعدلة من الدستور المؤقت، و بناء علی ما عرضه وزیر الداخلیة و أقره مجلس قیادة الثورة. صدر القانون الآتی:
المادة الأولی: یحظر علی کل شخص تحبیذ أو ترویج البهائیة أو الانتساب لأی محفل أو جهة تعمل علی تلقین أو نشر البهائیة و الدعوة الیها بأی شکل من الأشکال.
المادة الثانیة: لا یجوز بیع أو توزیع أو طبع أو حیازة الکتب و النشرات البهائیة، و تمنع مثل هذه الکتب الصادرة فی الخارج من الدخول للعراق و التداول فیها..
المادة الثالثة: تغلق جمیع المحافل البهائیة و مراکزها الموجودة فی العراق، و یوقف نشاطها، و یمنع کل شخص طبیعی أو حکمی و أیة منظمة أو هیئة أو جهة من القیام بأی نشاط کانت تمارسه المحافل و المراکز المذکورة و لوزیر الداخلیة اصدار القرارات اللازمة لتنفیذ ذلک.
المادة الرابعة: تؤول أموال و موجودات المحافل البهائیة و مراکزها بعد تصفیتها الی الجهة أو الجهات التی یصدر بتعیینها قرار من رئیس الجمهوریة.. الخ..
و جاء فی المادة السادسة: یعاقب المخالف لأحکام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة أو باحدی هاتین العقوبتین.. الخ..
التوقیع
أحمد حسن البکر
رئیس مجلس قیادة الثورة
رئیس الجمهوریة
و جاء فی الأسباب الموجبة لصدور هذا القانون أو البهائیة لیست دینا أو مذهبا معترفا به، و لأجل خطر ترویج الفکرة البهائیة أو تحبیذها للآخرین و لأجل وقف نشاطها و غلق محافلها.. صدر هذا القانون..
و یلاحظ هنا أن المادة الثالثة تمنع کل شخص طبیعی أو حکمی من القیام بأی نشاط کانت تمارسه المحافل.. الخ..
و جاء فی المادة السادسة عقاب الذین یخالفون أحکام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة.. الخ..
و أفهم من هذا ادانة أی أشخاص بهائیین یجتمعون فی أی مکان فی بیوتهم أو غیرها و یقومون بأعمال تنظیمیة لهم کانت تقوم بها المراکز من جمع أموال، و من رسائل یتلقونها أو یرسلونها الی محافلهم و زملائهم فی الخارج الی غیر ذلک من وسائل التدبیر و النشاط، کأن یوصوا علی واحد یخرج منهم عند المحافل الخارجیة لمساعدته.. الخ و القانون بذلک یلمس الواقع و یقنن له، فمن الطبیعی و قد حلت محافلهم، أن یلتقوا داخل بیوتهم، و ینظموا أمورهم، و ینصبوا علیهم رئیسا أو موجها، یقوم بما کانت تقوم به المحافل.. و سرا لا جهرا.. و بذلک یبقی مفعولهم المخرب داخل البلد، فشرع القانون العراقی لهذه الحالة فی المادة السادسة معتمدا علی ما جاء فی المادة الثالثة من منع أی شخص طبیعی أو حکمی.. فیطبق العقاب الذی جاء فی المادة السادسة علی
الأشخاص الذین یجتمعون فی أی مکان – غیر المحافل – و یقومون بنشاط سری کانت تمارسه المحافل.. و یؤدون الغرض منها..
و لم أعلم أن أحدا بالعراق تعرض لمؤاخذته بهذا القانون، و جائز أن تکون هناک قضایا لم یصل علمی الیها، و جائز ألا یکون..
أما عندنا فقد قبض 1985 علی خلیة بهائیة یرأسها «بیکار» أحد المحررین فی صحیفة الأخبار بعد تحریات و متابعات من مباحث أمن الدولة استدعت استصدار أمر من النیابة بالقبض علیهم تمهیدا للتحقیق معهم و محاکمتهم..
و ستری فی ملخص أقوالهم التی سأذکرها لک أنهم اعترفوا بأنهم بهائیون، و أنهم یجتمعون کل 19 یوما یعنی کل شهر من شهورهم فی بیت أحدهم لمدارسة أحوالهم کبهائیین، و اعترفوا بصدور بعض الأعمال التی کان یقوم بها المحفل منهم و قدمت المباحث تسجیلات صوتیة لهم تثبت علیهم ادانتهم کما قدمت منشورات و کتبا تدینهم کذلک..
و ستری أن محکمة أول درجة أدانتهم بمقتضی المادة التی ذکرتها، و لم تستطع ادانتهم و عقابهم بعقاب الردة الشرعی لعدم وجود قانون بهذا فاکتفت بعقوبتهم حسب هذه المادة.. کما ستری من الحکم و حیثیاته..
ثم جاءت محکمة الاستئناف و برأتهم و ذکرت حیثیاتها من أنها لم تستبن من الأوراق ما ینبیء عن وجود هیکل اداری!! أو نشاطات معینة تهدف الی احیاء تلک المحافل، کما أنه لم یثبت من الأوراق أن أحدا من المتهمین یبشر بعقیدته أو یدعو الیها آخرین«.
بینما جاء فی حیثیات محکمة أول درجة (الابتدائیة(: أن المحکمة راعت التسجیلات الصوتیة التی تمت فی بیوتهم – و هی تدینهم و تکشف نشاطهم. و اعتمدت علی اعتراف «بیکار» رئیسهم، بأنه مکلف من قبل «بیت العدل» بأن یکون مسئولا أدبیا و أبا روحیا!! للبهائیین فی مصر باعتبارهم أفراد طائفة ذوی عقیدة واحدة بالاضافة الی استقباله مندوبی بیت العدل من البهائیین الذین یفدون من الخارج، و اعترف الآخرون بأنهم بهائیون و أنهم یمارسون طقوسهم فی اجتماعاتهم – و طقوسهم لا تستدعی مظاهر یصعب القیام بها فی البیوت – کما تم ضبط العدید من الکتب و الأوراق الخاصة بالبهائیة لدی بعضهم«.
بل جاء فی أقوال بعضهم أنه استطاع أن یدخل أحد أصدقائه فی البهائیة، و ذکر بعضهم أنهم علی اتصال بالمحافل البهائیة فی حیفا عن طریق محفل وسیط فی تونس (الأهرام 1 / 3 / 1985(.
و أعتقد أن هذا کله کان کافیا فی اقتناع محکمة أول درجة بالحکم علیهم.. لأن المشرع حین أصدر القرار سنة 1960 بحل محافلهم الخ.. لم یکن قصده مجرد ازالة اللافتة – کما أعتقد – و لکن کان قصده توقی ضرر هؤلاء علی الدین و الوطن.. فاذا ظهرت تکتلات سریة تؤدی مهمة المحفل – کلها أو بعضها – کانت الادانة قائمة لأن الضرر لا یزال موجودا، فهم یباشرون نشاط المحفل بشکل سری و فی تلاعب علی القانون، مما اضطر المباحث لمتابعتهم و تسجیل بعض مجالسهم و ما یتداولونه فیها، و باذن من النیابة..
و ظهر من التسجیلات و من الاعترافات أنهم یقومون فعلا بنشاط بهائی و بدون علانیة.. و هذا – فی رأیی – کاف لادانتهم کما فعلت المحکمة الابتدائیة.. لکن محکمة الاستئناف کان لها رأی آخر!.
و لا تعلیق لی علیه بالطبع، لکنی أری أن یعاد النظر فی موضوع البهائیین و خطرهم هم و أمثالهم بقانون یتابع هذه التحایلات و یسد الباب أمامها و أمام غیرها ممن یرتعون بیننا و یکیدون لنا و لدیننا..
و قد احتاط القانون العراقی الصادر بشأن المحافل البهائیة فمنع کل شخص طبیعی أو حکمی من القیام بأی نشاط کانت تمارسه المحافل، کما جاء فی مادته الثالثة، و عاقب الذین یخالفون حکم هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة أو باحدی هاتین العقوبتین..
و بذلک لا حق – کما أفهم – الحالة التی علیها «بیکار» و اخوانه، و قرر لها عقوبة عشر سنوات حبس.. الخ. جزاء مخالفتهم للقانون..
أما عقوبة الردة فلم یتعرض لها..
و أعتقد أن هذه لعقوبة بالحبس کانت رادعة فی العراق لکل من تحدثه نفسه بالبهائیة أو بالاعلان عن أنه بهائی کما حصل عندنا.. فمن الطبیعی أن کل صاحب فکره أو مبدأ
أو مذهب یعمل ضرورة علی دعوة الغیر الی مبدئه و مذهبه، بحکم ایمانه بفکرته أو مذهبه، الا اذا کانت أمامه عقوبة رادعة تمنعه حتی من التنفس بفکرته أو مذهبه..
و أظن أن هذا هو الذی حصل فی العراق نتیجة لهذا القانون، برغم أنه کان للبابیة و البهائیة شأن أی شأن فیها، و لها بیوت و أملاک زراعیة واسعة لا تزال تعرف حتی الآن.. و لا سیما فی بغداد، و فی ولایة «دیالا» القریبة منها، کما سمعت من أصدقائی المعمرین فی بغداد.. و حین سألتهم: و الآن؟ فالوا لا علنیة و لا سریة، و لا یستطیع أحد أن یقول انه بهائی أو بابی، و لا یقرب من شبهتهم.. و وجدتنی أقول تلقائیا: برافو..
أخی
لعلی بعد هذه الجولة المضنیة معک عن البابیة و البهائیة، أکون قد قدمت ولو بعض الزاد من المعرفة عن هذه النحلة المشبوهة: أصلها و ولادتها، و من نماها و رباها و تعهدها، حتی نمت و ترعرعت، و شبت و قویت؟ و لماذا عمل الاستعمار علی ولادتها و تنمیتها، و عرفت من خلال مبادئها و تعالیمها و موقفها من دینک الاسلام، و من الأدیان الأخری.
و عرفت بالتالی واجبک لمواجهة خطرها، و کتم أنفاسها، و واجب الدولة فی وقایة البلاد من شرورها و أضرارها، کما تحمی البلاد من اسراب الجراد و من الأغذیة الفاسدة، و الحمیات، و الأمراض الوافدة و المستوطنة..
و الله هو الموفق و المعین..،
1) و قد أمدنی بهذا النص – مشکورا – الاستاذ الفاضل سالم الألوسی حفید العلامة الالوسی مفتی العراق فی وقته.. و من التاریخیین الأثریین المشهود لهم…