جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

عمانوئیل کانت

زمان مطالعه: 4 دقیقه

عمانوئیل کانت، فیلسوف ألمانی، ولد عام 1724 و توفی عام 1804 م أصدر کتابه «نحو السلام الدائم» فی عام 1795 م، و هو فی کتابه هذا یبدو کداعیة لوحدة الأدیان و الحکومة العالمیة، تحت ستار الدعوة الی السلام العالمی.

و یعقب برتراند راسل علی کتاب کانت هذا بقوله: «و من الأفکار الرئیسیة التی اقترحها فی هذا الکتیب قیام حکومة نیابیة و اتحاد عالمی بین الدول. و هما فکرتان ما أحزانا بأن تذکرهما فی عصرنا هذا» (1).

لقد رآی کانت قوة تمسک الدول بسیادتها و استقلالها، لهذا میز بین ما یمکن تحقیقه، و ما هو مثل أعلی. و وجد أن ما یمکن تحقیقه هو الاتحاد بین دول مستقلة ذات سیادة و تظل کذلک داخل هذا الاتحاد. أما الدولة الاتحادیة الشاملة فهی مثل أعلی، لا یمکن – الآن علی الأقل – تحقیقه (2).

یضع کانت برنامجا من مرحلتین لاقامة السلام الدائم: مرحلة تمهیدیة، و مرحلة نهائیة.

ففی المرحلة التمهیدیة یقترح عدة بنود یلخصها کما یأتی:

» 1- ینبغی ألا تعتبر أیة معاهدة صلح علی أنها کذلک اذا ما کان أطرافها قد احتفظوا، ضمنا، اللجوء الی حرب جدیدة.«

» 2- لا یجوز لأیة دولة مستقلة أن تستحوذ علی دولة أخری لا بالمیراث و لا بالمبادلة و لا بالشراء و لا بالهبة.«

» 3- یجب أن تزول الجیوش النظامیة کلیا مع الوقت. (و هذا أحد أهم الشروط اللازمة لاقامة الحکومة العالمیة کما سیلاحظ(.

و هنا یضیف کانت:

»قد تعتبر الدول الأخری، أیضا، أن تکدیس الثروات من قبل دولة ما هو بمثابة تهدید بالحرب، الأمر الذی یضطر الدول المهددة الی القیام باعتداءات وقائیة، (لأننا اذا ما نظرنا الی القوی الثلاث الآتیة: قوة الجیوش، و قوة الأحلاف، و قوة المال، تبین أن هذه الأخیرة ربما کانت هی التی تشکل أفتک أداة من أدوات الحرب لولا الصعوبة التی تکتنف أهمیتها(«.

» 4- لایحق للدولة اعتماد الاقتراض لتمویل نزاعاتها الخارجیة.«

» 5- لایحق لأی دولة من الدول أن تتدخل بالقوة فی دستور دولة أخری و نظام حکمها.«

» 6- لایحق لأی دولة فی حال حرب مع دولة أخری أن تسمح لنفسها بأعمال عدائیة من النوع الذی یجعل الثقة مستحیلة بینهما، بعد استتباب السلام.«

و فی المرحلة النهائیة من برنامجه لاقامة السلام بین الدول یقترح ثلاثة بنود:

» 1- یجب أن یکون الدستور المدنی لکل دولة دستورا جمهوریا.«

و هنا یمیز کانت ما بین الحکم الجمهوری و الحکم الدیمقراطی فیقول:

»و من هذه الجهة یکون شکل الحکم اما جمهوریا و اما استبدادیا. الجمهوریة هی النظام السیاسی الذی یقر الفصل بین السلطة التنفیذیة و السلطة التشریعیة. أما النظام الاستبدادی فیقوم علی التنفیذ الکیفی، الاعتباطی، من قبل رئیس الدولة للقوانین التی استنها هو نفسه، و بالتالی یحسب فی ظل هذا النظام، أن الارادة العامة مطبقة من خلال ارادة الحاکم الخاصة… بین هذه الأشکال الثلاثة للدولة یمثل الشکل الدیمقراطی، بالمعنی الحقیقی للکلمة، النظام الاستبدادی حتما، لأن الدیمقراطیة تقیم سلطة تنفیذیة حیث یقرر الجمیع علی واحد، بل ضد واحد (الواحد الذی لا یوافق) لهذا السبب لا تکون ارادة الجمیع حقا، الأمر الذی یجعل الارادة العامة متناقضة مع نفسها و مع الحریة.«

»لا یعتبر أی شکل من أشکال الحکم علی أنه کذلک اذا کان غیر تمثیلی، اذ لا یجوز أن یجتمع للشخص الواحد حق التشریع و حق التنفیذ کیلا یصبح منفذا لارادته الشخصیة…«

»بالمقابل، الدیمقراطیة تجعل هذا النظام مستحیلا (النظام التمثیلی) لأن کل واحد فی ظلها یرید أن یکون السید. بناء علی ما تقدم نستطیع التأکید أنه کلما کان عدد أهل السلطة فی الدولة (أی عدد الحاکمین) قلیلا، کلما اتسعت صفتهم التمثیلیة، و کلما ازداد توافق دستور الدولة مع امکانیة قیام النظام الجمهوری مما یتیح لهذا الدستور الأمل بالارتقاء نحو النظام الجمهوری عبر اصلاحات متتالیة توصله فی النهایة الی مصافه«.

» 2- یجب أن یتأسس حق الشعوب علی اتحاد دول حرة.«

و یقول کانت فی اطار هذا الاقتراح الأخیر:

»ان العقل، هذا المصدر الأعلی لکل تشریع قانونی، یعلن من فوق منبره الرفیع عدم التسلیم بکون الحرب تشکل السبیل الی استخلاص الحق، و یدین هذه الوسیلة ادانة مطلقة، و یفرض بالمقابل، الحالة السلمیة کواجب فوری. لکن لا یمکن اقامة هذا الوضع و ضمان استمراره من دون اتفاق متبادل بین الشعوب، لهذا السبب لابد من عقد تحالف من نوع خاص یمکن تسمیته ب «تحالف السلام» و هو غیر معاهدة الصلح، و یختلف عنها بکونه یهدف الی انهاء الحروب الی الأبد، بینما تقتصر معاهدة الصلح علی انهاء حرب واحدة.«

»ان الدولة الساعیة الی «تحالف السلام» لا ترمی الی اکتساب مزید من القدرة لها من ورائه، بل فقط الی حفظ و ضمان حریتها، و کذلک حفظ و ضمان حریة الدول الأخری المتحالفة معها، من دون أن تلتزم هذه الأخیرة بالانصیاع (کما یحصل للأفراد فی الحال الطبیعیة) لقوانین الدول المعنیة و موجبات هذه القوانین. ان امکانیة تحقیق فکرة الاتحاد هذه، التی ینبغی لها أن تتسع تدریجیا لتشمل جمیع الدول، أمر قابل للتصور اذ لو حصل، من حسن الحظ، أن انتظم أحد الشعوب القویة و المستنیرة فی جمهوریة (و من طبع الجمهوریة أن تنزع، تلقائیا، الی السلام الدائم) لنشأ بفضل ذلک قطب للتحالف الاتحادی تتمکن الدول الأخری من الانضمام الیه توخیا لتأمین

حریتها انسجاما مع فکرة حق الشعوب، و لأمکن توسیع هذا الواقع التحالفی رویدا رویدا، فیشمل مشترکین من النوع نفسه…

»بنظر العقل لا یتوفر للدول التی تقیم علاقات متبادلة فیما بینها أی وسیلة للخروج من حال اللاشرعیة التی تؤلف مصدر اندلاع الحروب الا التخلی، کما یفعل الأفراد، عن الحریة المتوحشة (الفوضویة) بغیة الامتثال للموجبات العامة التی تفرضها القوانین، و من ثم تشکیل «دولة الأمم» التی تتنامی باستمرار بطریقة حرة، و تتسع لتشمل، فی نهایة المطاف، جمیع شعوب الأرض. لکن بما أن الدول لا ترغب قطعا بهذه الوسیلة، بسبب المفهوم الذی تکونه هذه الدول لنفسها عن حق الشعوب، و بما أنها ترفض، مسبقا، ما هو صحیح فی الواقع. و نظرا لعدم تکون مفهوم ایجابی لمسألة «الجمهوریة العالمیة» لا یتبقی ثمة (اذا لم نرد خسارة کل شی‏ء) سوی البدیل السلبی المتمثل فی قیام اتحاد دائم مستمر التوسع، یستطیع وقایتنا من الحرب و ترویض تلک الاستعدادات العدائیة و المناقضة للحق، مع العلم أن خطر تفجر هذه المیول العنیفة یظل ماثلا.«

» 3- یجب أن یقتصر الحق العالمی علی ابتکار شروط حسن الوفادة العالمیة.

و هو یقصد بهذا الشرط الثالث حق کل انسان فی زیارة أی بلد، فلا یعامل فیه علی أنه عدو. و لیس حق الضیافة أو الاقامة الذی یتطلب اتفاقیة خاصة.

ذلک عن الحکومة العالمیة.

أما عن وحدة الأدیان، فیعقب کانت علی عبارة «تنوع الأدیان» بقوله: «یالها من عبارة مستغربة، لکأننا نقول بمناقبیات متنوعة. من الممکن جدا أن یکون ثمة تنوع فی أنواع الاعتقاد، لا فی الدین، انما یکون ذلک بالنسبة الی الوسائل الی اعتمدت فی نشر الدین، و هی أمور تتعلق بالأبحاث التاریخیة المعمقة. و یمکن أیضا أن نتکلم عن التنوع فی الکتب الدینیة (مثل الزاندافستا و الفیدا و القرآن… الخ) لکن فی الحقیقة لا یوجد سوی دین واحد صالح لجمیع البشر و لجمیع الأزمنة. خلاصة القول أن ما یسمی بالأدیان لمختلفة لیس سوی طرق مختلفة و نسبیة و متنوعة بتنوع الأمکنة و الأزمنة للتعبیر عن الدین و نشره بین البشر» (ص 68(.


1) »حکمة الغرب«، جزء 2، ص 169.

2) »أمانویل کانت – فلسفة القانون و السیاسة«، عبدالرحمن بدوی، ص 233.