و لندعه هو یتکلم نیابة عنا فی الرد علی شعار البهائیین حول المرأة: «علینا أن نستوثق من الکیفیة التی ستؤثر بها طریقة الحیاة فی مستقبل الجنس. لقد کانت استجابة النساء للتعدیلات التی أدخلتها الحضارة الصناعیة علی عادات الأسلاف سریعة قاطعة، اذا نقص معدل الموالید فورا. و قد تبین أثر ذلک بوضوح، کما لمست نتائجه الخطیرة فی الطبقات الاجتماعیة و فی الأمم التی سبقت غیرها فی الانتفاع بالتقدم حققته – اما مباشرة أو بطریقة غیر مباشرة – بطتبیق
الاکتشافات العلمیة. فاتعقیم الاختیاری لیس جدیدا فی تاریخ العالم فقد عرف فی مرحلة معینة من مراحل المدنیة السابقة.. انه ظاهرة علمیة نعرف دلالتها» (1) (ص 37(.
»ان الاختلافات الموجودة بین الرجل و المرأة لا تأتی من الشکل الخاص للأعضاء التناسلیة، و من وجود الرحم و الحمل، أو من طریقة التعلیم. اذ أنها ذات طبیعة أکثر أهمیة من ذلک.. تنشأ من تکون الأنسجة ذاتها، و من تلقیح الجسم کله بمواد کیماویة محددة یفرزها المبیض… و لقد أدی الجهل بهذه الحقائق الجوهریة بالمدافعین عن الأنوثة، الی الاعتقاد بأنه یجب أن یتلقی الجنسان تعلیما واحدا، و أن یمنحا سلطات واحدة و مسؤولیات متشابهة.. و الحقیقة ان المرأة تختلف اختلافا کبیرا عن الرجل. فکل خلیة من خلایا جسمها تحمل طابع جنسها. و الأمر نفسه صحیح بالنسبة لأعضائها و فوق کل شیء بالنسبة لجهازها العصبی. فالقوانین الفسیولوجیة غیر قابلة للین، شأنها شأن قوانین العالم الکوکبی. فلیس فی الامکان احلال الرغبات الانسانیة محلها. و من ثم فنحن مضطرون الی قبولها کما هی. فعلی النساء ان ینمین أهلیتهن تبعا لطبیعتهن، دون أن یحاولن تقلید الذکور. فان دورهن فی تقدم الحضارة أسمی من دور الرجال. فیجب علیهن الا یتخلین عن وظائفهن المحددة«… (114(.
»ان الأب و الأم یساهمان بقدر متساو فی تکوین نواة البویضة التی تولد کل خلیة من خلایا الجسم الجدید. و لکن الأم تهب علاوة علی نصف المادة النوویة کل البروتوبلازم المحیط بالنواة.. و هکذا تلعب دورا أهم من دور الأب فی تکوین الجنین«.. (ص 115(.
»ان دور الرجل فی التناسل قصیر الأمد. أما دور المرأة فیطول الی تسعة
أشهر. و فی خلال هذه الفترة یغذی الجنین بمواد کیماویة ترشح من دم الأم من خلال أغشیة الخلاص. و بینما تمد الأم جنینها بالعناصر التی تتکون منها أنسجته فانها تتسلم مواد معینة تفرزها أعضاء الجنین. و هذه المواد قد تکون نافعة و قد تکون خطرة. فحقیقة الأمر أن الجنین ینشأ تقریبا من الأب مثلما ینشأ من الأم. فان مخلوقا من أصل غریب – جزئیا – قد اتخذ له مأوی فی جسم المرأة. فتتعرض المرأة لتأثیره خلال فترة الحمل. قد تتسمم المرأة فی بعض الأحیان بواسطة جنینها، کما ان أحوالها الفسیولوجیة و السیکولوجیة تعدل به دائما.. و علی أی حال یبدو أن النساء – من بین الثدییات – هن فقط اللائی یصلن الی تموهن الکامل بعد حمل أو اثنین. کما ان النساء اللائی لم یلدن لسن متزنات توازنا کاملا کالوالدات. فضلا عن أتهن یصبحن أکثر عصبیة منهن.. صفوة القول ان وجود الجنین، الذی تختلف أنسجته اختلافا کبیرا عن أنسجة الأم، بسبب صغرها، و لأنها – جزئیا – من أنسجة زوجها، تحدث أثرا کبیرا فی المرأة. ان أهمیة وظیفة الحمل و الوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتی الآن الی درجة کافیة. مع أن هذه الوظیفة لازمة لاکتمال نمو المرأة.. و من ثم فمن سخف الرأی أن نجعل المرأة تنتکر للأمومة. و لذا یجب الا تلقن الفتاة التدریب العقلی و المادی، و لا أن تبث فی نفسها المطامع التی یتلقاها الفتیان و تبث فیهم.. یجب أن یبذل المربون اهتماما شدیدا للخصائص العضویة و العقلیة فی الذکر و الأنثی. کذا لوظائفها الطبیعیة. فهناک اختلافات لا تنقض بین الجنسین. و لذلک فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات فی انشاء عالم متمدن. (117 – 116(.
»الیس من العجیب ان برامج تعلیم البنات لا تشتمل بصفة عامة علی أیة دراسة مستفیضة للصغار و الأطفال، و صفاتهن الفسیولوجیة و العقلیة؟ یجب أن تعاد للمرأة وظیفتها الطبیعیة التی لا تشتمل علی الحمل فقط. بل أیضا علی رعایة صغارها«. (369 – 368(.
و أخیرا: «من المعروف ان الافراط الجنسی یعرقل النشاط العقلی. و یبدو أن العقل یحتاج الی وجود غدد جنسیة حسنة النمو، و کبت مؤقت للشهوة الجنسیة، حتی یستطیع أن یبلغ منتهی قوته.. و لقد أکد فروید، عن حق، الأهمیة القصوی للدواقع الجنسیة فی وجوه نشاط الشعور. و مع ذلک فان ملاحظاته تتعلق بالمرضی علی الأخص. و من ثم یجب ألا تعمم استنتاجاته بحیث تشمل الأشخاص العادیین، و بخاصة أولئک الذین و هبوا جهازا عصبیا قویا، و سیطرة علی أنفسهم و بینما یصبح الضعفاء، و المعتلو الأعصاب، غیر المتزنین، أکثر شذوذا عندما تکبت شهواتهم الجنسیة، فان الأقویاء یصیرون أکثر قوة، بممارسة هذا الشکل من الزهد» (2) (174(.
و لتأخذ شهادة «ول دیورانت» الکاتب الامریکی المتفلسف.. و هو رجل لا یمکن أن یقال انه من أعداء هذه الحضارة. فهو شدید الاعجاب بالتقدم الذی تمثله هذه الحضارة فی مجموعها. و هو یبدو معارضا للدین فی جملته، کما أنه ظاهر العداء للاسلام بصفة خاصة..
و مع هذا کله فهو یؤدی هذه الشهادة عن هذه الحضارة فی کتابه «مباهج الفلسفة«:
»و ثقافتنا الیوم سطحیة، و معرفتنا خطرة، لأننا أغنیاء فی الآلات فقراء فی الأغراض. و قد ذهب اتزان العقل الذی نشأ ذات یوم من حرارة الایمان الدینی، و انتزع العلم منا الأسس المتعالیة لأخلاقیاتنا، و یبدو العالم کله مستغرقا فی فردیة مضطربة تعکس تجزؤ خلقنا المضطرب. اننا نواجه مرة أخری تلک المشکلة التی اقلقت بال سقراط، نعنی: کیف نهتدی الی أخلاق طبیعیة تحل محل الزواجر
العلویة التی بطل أثرها فی سلوک الناس؟ اننا نبدد تراثنا الاجتماعی بهذا الفساد الماجن من جهة، و بهذا الجنون الثوری من جهة أخری، حین نفقد الفلسفة التی بدونها نفقد هذه النظرة الکلیة التی توحد الأغراض، و ترتب سلم الرغبات. اننا نهجر فی لحظة مثالیتنا السلمیة و نلقی بأنفسنا فی هذا الانتحار الجماعی للحرب. و عندنا منه ألف سیاسی، و لیس عندنا «رجل حکم» واحد. اننا نطوف حول الأرض بسرعة لم یسبق لها مثیل. و لکننا لا نعرف الی أین نذهب، و لم نفکر فی ذلک، أو هل هناک السعادة الشافیة لأنفسنا المضطربة. اننا نهلک أنفسنا بمعرفتنا التی اسکرتنا بخمر القوة. و لن ننجو منها بغیر الحکمة» (3) (ص 7 – 6 ج 1(..
»و اختراع موانع الحمل و ذیوعها هو السبب المباشر فی تغیر أخلاقنا. فقد کان القانون الأخلاقی قدیما یقید الصلة الجنسیة بالزواج، لأن النکاح کان یؤدی الی الأبوة بحیث لا یمکن الفصل بینهما، و لم یکن الوالد مسؤولا عن ولده الا بطریق الزواج. أما الیوم فقد انحلت الرابطة بین الصلة الجنسیة و بین التناسل، و خلقت موقفا لم یکن آباؤنا یتوقعونه، لأن جمیع العلاقات بین الرجال و النساء آخذة فی التغیر نتیجة هذا العامل. و یجب علی القانون الأخلاقی فی المستقبل أن یدخل فی حسابه هذه التسهیلات الجدیدة التی جاءت بها الاختراعات لتحقیق الرغبات المتأصلة!«… (ص 125 ج(.
فحیاة المدنیة تفضی الی کل مثبط عن الزواج، فی الوقت الذی نقدم فیه الی
الناس کل باعث علی الصلة الجنسیة و کل سبیل یسهل أداءها. و لکن النمو الجنسی یتم مبکرا عما کان من قبل، کما یتأخر النمو الاقتصادی، فاذا کان قمع الرغبة شیئا عملیا و معقولا فی ظل النظام الاقتصادی الزراعی، فانه الآن یبدو أمرا عسیرا و غیر طبیعی فی حضارة صناعیة أجلت الزواج حتی بالنسبة للرجال حتی لقد یصل الی سن الثلاثین. و لا مفر من أن یأخذ الجسم فی الثورة، و ان تضعف القوة علی ضبط النفس عما کان فی الزمن القدیم، و تصبح العفة التی کانت فضیلة موضعا للسخریة، و یختفی الحیاء الذی کان یضفی علی الجمال جمالا، و یفاخر الرجال بتعداد خطایاهم، و تطالب النساء بحقها فی مغامرات غیر محدودة علی قدم المساواة مع الرجال، و یصبح الاتصال قبل الزواج أمرأ مألوفا، و تختفی البغایا من الشوارع بمنافسة الهاویات لا برقابة البولیس. لقد تمزقت أوصال القانون الأخلاقی الزراعی، و لم یعد العالم المدنی یحکم به» (4) (ص 127 – 126(.
»و لسنا ندری مقدار الشر الاجتماعی الذی یمکن أن نجعل تأخیر الزواج مسؤولا عنه. و لا فی أن بعض هذا الشر یرجع الی ما فینا من رغبة فی التعدد لم تهذب، لأن الطبیعة لم تهیئنا للاقتصار علی زوجة واحدة. و یرجع بعضها الآخر الی ولاء المتزوجین الذین یؤثرون شراء متعة جنسیة جدیدة علی الملال الذی یحسونه فی حصار قلعة مستسلمة. و لکن معظم هذا الشر یرجع فی أکبر الظن فی عصرنا الحاضر الی التأجیل غیر الطبیعی للحیاة الزوجیة. و ما یحدث من اباحة بعض الزواج فهو فی الغالب ثمرة التعود قبله. و قد نحاول فهم العلل الحیویة و الاجتماعیة فی هذه الصناعة المزدهرة، و قد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر
منه فی عالم خلقه الانسان (5) و هذا هو الرأی الشائع لمعظم المفکرین فی الوقت الحاضر. غیر أنه من المخجل أن نرضی فی سرور عن صورة نصف ملیون فتاة أمریکیة یقدمن أنفسهم ضحایا علی مذبح الاباحیة، و هی تعرض علینا فی المسارح و کتب الأدب المکشوف، تلک التی تحاول کسب المال باستثارة الرغبة الجنسیة فی الرجال و النساء المحرومین، و هم فی حمی الفوضی الصناعیة، من حمی الزواج و رعایته للصحة.
»و لا یقل الجانب الآخر من الصورة کآبة. لأن کل رجل حین یؤجل الزواج یصاحب فتیات الشوارع ممن یتسکعن فی ابتذال ظاهر. و یجد الرجل لارضاء غرائزه الخاصة فی هذه الفترة من التأجیل نظاما دولیا مجهزا بأحدث التحسینات، و منظما بأسمی ضروب الادارة العلمیة. و یبدو أن العالم قد ابتدع کل طریقة یمکن تصورها لاثارة الرغبات و اشباعها» (6).
1) لعله یشیر الی ما وقع من هذا فی أواخر أیام الحضارة لاغریقیة، و اواخر أیام الحضارة الرومانیة. وادی فی کلتا الحالتین الی سقوطها واند ثارها، سید قطب: السابق ص 32.
2) هذا ما یقوله عالم متخصص، أما جهلاء الصحفیین عندنا، و کتاب القصص الجنسی، و مجلات الاغراء الرخیص من البهائیین المتسترین فتوحی کلها للشبان أن یفرغوا طاقتهم الجنسیة لیحصلوا علی الراحة و الاستقرار!!! سید قطب، السابق، ص 126.
3) یلاحظ هنا اعترافه بأن حرارة الایمان الدینی قد اوجدت «انزان العقل» و ان هذا الاضطراب کله الذی یصفه انما نشأ من تتحیة الزواجر العلویة.. و مع هذا فهو یهاجم الدین جملة و الاسلام بصفة خاصة فی تتایا کنایة. و بماذا یرید أن یستبدل الدین؟ بالفلسفة أو کما یسمیها الحکمة! و الارض لم تخل من الفلسفة فی أی عصر و لکنها لم تقم أبدا مقام الایمان الدینی فی قیادة المجتمع الی التوازن، و الی التسامی الخلقی. کذلک یلاحظ تشبیه المغرض للدین الذی شردوا عنه الوئتیة التی کانت قبل سقراط، و التی انهارت فأنشأت لعصر سقراط تلک المشکلة التی یتحدث عنها فالتسویة بین الدیانات السماویة و الوثنیة و الاغریقیة لا تعبر الا عن الهوی، سید قطب: السابق.
4) یلاحظ میله – و هو امر یکی – الی اعتبار قواعد المذهب المارکسی فی التفسیر الاقتصادی للتاریخ و قد دفعه هروبه من الدین الی هذا المأزق. فهو لا یرید أن یعترف ان شروذهم عن الدین هو الذی ادی بهم الی هذه القوضی… انما هو مجرد الانتقال من العهد الزراعی الی العهد الصناعی، سید قطب: السابق ص 137.
5) هذا فی الحقیقة هو السر، «فی عالم خلقه الانسان» فی معزل عن الله و هداه! و هذا هو سبب البلاء.. سید قطب: السابق ص 137.
6) ویل دیورانت: السابق ص 117 – 128.