جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

حول الطاعة التامة للحکومات

زمان مطالعه: 3 دقیقه

یؤکد البهائیون تأکیدا شدیدا علی وجوب ابداء الطاعة التامة للحکومات اطلاقا، فهم یعتبرون أیة حکومة مقدسة، تستمد سلطتها من الله، و ینهون أتباعهم نهیا صارما عن ابداء أیة معارضة لأیة حکومة من الحکومات. و هم اختاروا النظام الدینی أساسا لحکومتهم، لیس احساسا بقداسة الواجب الحکومی، و انما للسبب ذاته الذی أبداه فولتیر، و هو المعروف بعدائه للدین: «لابد من الدین للشعب. یجب خاصة أن یکون للشعب دین من أجل طمأنینة الحاکمین و المستثمرین» (1).

و قد استخدم البهائیون، أحیانا، هذه التوجیهات کرشوة للحکومات التی کانوا یعیشون فی کنفها، فقد حرصوا علی الدوام، علی تنبیه تلک الحکومات، بمناسبة و بدون مناسبة، الی أنهم یلتزمون جانب الطاعة نحوها، بأمل أن تلزم هی جانب غض النظر عن نشاطاتهم، لکن مسلکهم لم یکن علی الدوام مطابقا لدعواهم، فقد طالما أثاروا الفتن لبعض الحکومات، کما حدث فی ایران و فی الدولة العثمانیة مرات عدیدة.

و کأنهم بدعواهم تلک یحاولون هدم القاعدة الاسلامیة القائلة: «لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق«.

و لربما کانوا یقصدون من ذلک التوصل الی اعلان ملکهم أو حکومتهم الها تعبده البشریة، کما یستفاد ضمنا من بعض أقوالهم، و الی اضفاء نوع من القداسة الدینیة علی مخططاتهم لجعلها أقل عرضة للتمحیص و النقد و لیضمنوا لأنفسهم السیطرة المطلقة علی الشعوب.

و لقد عبر اخوان الصفا عن شی‏ء من هذا بقولهم:

»ان الدین و الملک توأمان، و لا قوام لأحدهما الا بأخیه. غیر أن الدین هو الأخ

یلبسها الناس فتبلی و تتمزق و تطرح و یلبس غیرها» (2).

و سنجد أن الکثیر من ذلک مبثوث فی الدین البهائی.

و قد یستمد موقف البهائیین حیال الحکومات جذوره من رسالة بولس الی أهل رومیة، التی یقول فیها:

»لتخضع کل نفس للسلاطین الفائقة لأنه لیس سلطان الا من الله و السلاطین الکائنة هی مرتبة من الله. حتی أن من یقاوم السلطان یقاوم ترتیب الله و المقاومون سیأخذون لأنفسهم دینونة» (رومیة 13 : 1 – 3 (.

و یقول الفیلسوف الیهودی سبینوزا فی کتابه «رسالة فی اللاهوت و السیاسة«:

»… و علی ذلک، فما دام العقل و التجربة یشهدان بأن القانون الالهی یقوم علی مشیئة السلطات العلیا الحاکمة وحدها، ینتج عن ذلک أن لهذه السلطات نفسها حق تفسیره. و سنری الآن بأی معنی نقول ذلک، اذ أنه قد حان الوقت لنبین أن العبادات الظاهرة فی الدین و کل المظاهر الخارجیة للتقوی، یجب أن تتفق مع سلامة الدولة لو أردنا أن نطیع الله مباشرة (ص 435(.

»لا یمکن لأحد أن یعرف المصلحة العامة الا بناء علی قرارات السلطة الحاکمة التی هی وحدها المسؤولة عن تصریف الشؤون العامة. و اذا فلا یستطیع أحد أن یمارس الایمان الصادق أو أن یطیع الله الا اذا أطاع قرارات السلطة الحاکمة» (ص 436(.

و یقول توینبی، و هو أحد دعاة وحدة الأدیان و الحکومة العالمیة: «فهل نستنتج من ذلک، مصداقا لقول صاحب المزامیر (یقصد النبی داوود علیه‏السلام) بأن الرب مرد الخلاص و أنه بدون توافر نوع من الربوبیة یغدو المخلص المرتجی عاجزا عن انقاذ رسالته…

»و بعد؛ هذه هی فی الحقیقة، النتیجة النهائیة لاستعراض فکرة المخلصین. فاذا

ما وضعنا حدا لهذا الاستطاع، ألفینا أنفسنا نتحرک وسط حشد قوی من الجنود. بید أنهم – مصداقا لمناقشتنا الأولی – قد سقطوا بعیدا عن الحلبة: الفرقة تلو الأخری. فکانت حملة السیوف أول فرقة تسقط، و تلتها فرقة أصحاب مبدأ السلفیة و مبدأ المستقبلیة، و تلتها فرقة الفلاسفة… حتی لم یتبق فی المیدان سوی الآلهة. بل انه – حتی بالنسبة لهؤلاء الآلهة المخلصین المرتجین – لم یتبق عند محنة الموت النهائیة سوی القلیلون، أولئک الذین أقدموا علی وضع لقبهم موضع التجربة، بالوثب فی النهر الثلجی.

»و الآن و نحن نقف شاخصین بأبصارنا الی الشاطی‏ء الأقصی، تنهض للتو من طوفان الشخصیات الالهیة، شخصیة مفردة تملأ الأفق بأسره، ان ثمة مخلصا. «ستسعد مسرة الرب فی یده» و سیری عناء نفسه و سیکون بذلک راضیا» (3).


1) تیارات الفکر الفلسفی، أندریه کریسون، ص 162.

2) سعد بن عبدالله أبی خلف الأشعری القمی، کتاب المقالات و الفرق، طهران 1963 م . س . ص 45.

3) مختصر دراسة للتاریخ، أرنولد توینبی، جزء 2، ص 452 و 457.