»جاک أتالی» یهودی مولود فی الجزائر یشغل منصب المستشار الأول للرئیس الفرنسی میتران و یقع مکتبه فی قصر الألیزیه الی جوار مکتب الرئیس (1)، و هو أحد مروجی مشروع الحکومة العالمیة، کما یتضح من کتابه «ملامح المستقبل أو خطوط الأفق» الذی أصدره فی شباط عام 1990. و هو بحکم وظیفته، و بحکم نشر کتابه خلال مزاولته هذه الوظیفة، فانه یضفی بعدا جدیدا علی المشروع ایاه.
یتحدث أتالی عن عام 2000 و کأنه علامة بارزة علی طریق انشاء الحکومة العالمیة، فهو یقول:
»ان تسعة أعوام فقط تفصلنا عن عام (2000) و سوف یتکلم الناس فی أحد الأیام عن هذا العقد من الزمن، و کأنه العقد الذی تمت فیه المراهنة علی الألف الجدیدة القادمة، و سوف تتوقف فرص نجاحنا فی المستقبل علی عمل البشریة خلال هذه الأعوام التسعة الباقیة من القرن الحالی، و کلنا أمل ألا یکون هذا العمل مخیبا لآمالنا.«
»ان نظاما نقدیا عالمیا تحدد فی داخله مناطق الاستقرار بین العملات الرئیسیة سیسهل النمو المتوازن و التکامل بین «المجالات المهیمنة«. و ان تقنینا مصرفیا و مالیا عالمیا سیقلص المضاربات المالیة و یحد من عملیات تنظیف أموال المخدرات. و ان حریة التجارة الدولیة، و بشکل خاص فتح أسواق بلدان الشمال لمنتجات بلدان الجنوب، سوف تعمل علی ادخال العملات الصعبة الضروریة لتسدید دیون هذه البلدان الأخیرة و تطویر و تنمیة استثماراتها، کما ستسهل آلیة استقرار رواج المواد الأولیة و تساعد
بالتالی علی تنمیة البلدان التی یتوقف تطورها علی عائدات هذه المواد.
»و أخیرا سیکون من الواجب اخضاع التشریعات الوطنیة، المتعلقة بحمایة البیئة و نزع السلاح و مکافحة المخدرات، و السیطرة علی استخدام علوم الوراثة، لسلطات کونیة علیا تشکل بطریقة دیمقراطیة و تکلف بوضع قواعد لها صفة عالمیة (ص 59(.
»ان المسألة الرئیسیة ستکون فی الغد: مسألة تعلم کیفیة الادارة العالمیة للمشاکل، و سوف یستدعی ذلک ثقافة جدیدة، و مؤسسات جدیدة… و بالرغم من ذلک، یبقی من الممکن التکهن بالمستقبل الی حد بعید، بالنسبة لخطوط قوته، و العقبات التی ستظهر فی الطریق. ولکن، لا یمکن استیعاب و فهم هذا المستقبل الا فی أبعاده العالمیة.»
»و من المرجح منذ الآن، و حتی عام ألفین، أن یصبح النظام التجاری کونیا، و سوف تعود للمال وحده فی هذا النظام مسؤولیة تحدید القوانین، کما سیحدد السوق و الأسعار و الأرباح و القواعد فی شتی أنحاء العالم، من سانتیاغو الی بکین، و من لاغوس الی موسکو. و سوف یستقر فی العالم اقتصاد سلمی. ولکن ما من اقتصاد مضمون من السلام (ص 142(. «
و بعد أن یستعرض المؤلف ظروف الحیاة علی الأرض فی الفترة القصیرة القادمة یقول:
»و الواقع أننا لازلنا أبعد ما نکون عن فهم ذلک، و أبعد بکثیر عن استخلاص النتائج. هذه النتائج التی ستکون ثوریة. انها ستتطلب من رجال الدولة و القادة و کبار سیاسی الغد، الشجاعة لقبول مبدأ «التخلی عن السیادة القومیة» الذی لا یرضی المواطنین… و سوف یکون عن واجب الانسان أن یحمی نفسه من نفسه، و یضع الحدود لأوهامه، و یکف عن التفکیر بأنه سید العالم و الجنس البشری و ألا یغیب عن ذهنه أنه لا یملک سوی «حق الانتفاع» فقط.«
»هذا، و سیکون من الواجب تحدید ضوابط التطور العالمیة بأسلوب دیمقراطی قابل للتطبیق و المراقبة، علما بأن مؤسسات الأمم المتحدة الناتجة عن الحرب العالمیة الثانیة لم تعد ملائمة لهذه المهمة، فهی لا تملک الوسائل و لا الصلاحیات الضروریة.
لذلک لابد من الانتقال الی «مرحلة أعلی من النظام الدولی» بانتظار قیام «مؤسسات دیمقراطیة» حقیقیة، تفرض بأسلوب دیمقراطی «المعاییر و الضوابط» الضروریة فی المیادین التی تتعرض فیها الحیاة و العلاقات الدولیة للخطر.»
»اننی لا أستهین بالرفض و المقاومة التی ستلاقیها مثل هذه الاصلاحات الضروریة، فالقلیل من البلدان یمکنها أن تقبل بسهولة أی انتقال للصلاحیات الی «سلطة کونیة«. و قد برهنت بعض الوقائع الحدیثة علی ذلک. علما بأننی لا أقلل أبدا من أهمیة المصاعب التی ستواجهها محاولات تطبیق القواعد الدیمقراطیة الصحیحة من قبل سبعة أو ثمانیة ملیارات من البشر. ففی المرحلة الأولی یمکن أن نتصور عقد «مؤتمر قمة نظامی» (2) یضم رؤساء دول الشمال و الجنوب مهمته انشاء مثل هذه المؤسسات الدیمقراطیة و وضع عدد من القواعد الأساسیة الضروریة کدلیل للعمل؛ کما یمکن أن نتصور انشاء هذه المؤسسات و القواعد من قبل حکومات جماعیة مجهولة.«
»و فی کل الأحوال، فان هذا النوع من السلطات الکونیة أصبح ضروریا جدا فی میادین خمسة أصبحت تشکل تهدیدا جدیا للحیاة، و هی: سوء التغذیة، و الغازات الخانقة، و استخدم علوم الوراثة، و التسلیح، و المخدرات» (3).
»و الخلاصة، سوف ترتسم تدریجیا فی الأفق تطورات متناقضة، ستدعم التضامن و تزید من خطر العزلة، و تزید من سرعة التوسع، و تثیر المظالم، و سوف تعطی الکلام للأشیاء و تفرض الصمت علی البشر. و سوف تطور اللغات العالمیة و تعمق الهوة الفاصلة بین الشعوب المتطورة و الشعوب النامیة و الفقیرة.»
»و یبقی من الواجب اعطاء معنی لکل هذه التطورات. و قد یکون هذا المعنی «دینیا«.. و السؤال عندئذ هو، هل سیکون ذلک فی اطار من التسامح أو الحرمان أو النبذ؟ أم فی اطار من التعصب أم الرحمة؟… و بشکل عام یمکن القول: یاله من غد مفعم بالقلق! فهل سیکون الکلام فیه للعنف أم للسلام؟.. (4).
1) السیطرة الصهیونیة علی وسائل الاعلام العالمیة، زیاد أبوغنیمة، ص 153. و قد أصبح أتالی فیما بعد رئیس المصرف الأوربی لاعادة الاعمار و الانماء – جریدة تشرین السوریة، العدد 5596 ، 20 / 3 / 1993 ، ص 9.
2) ربما کان مؤتمر قمة الأرض المنعقد فی ریو دی جانیرو فی حزیران 1992 م خطوة علی هذا الطریق.
3) المرجع السابق، ص 142.
4) المرجع السابق، ص 162 – 161.