و لقد أقر بذلک داعیة البهائیین أسلمنت حیث قال:
»و بناء علی ما تقدم من التهم و علی تهم أخری لا نصیب لها من الصحة – و الوقائع تثبت صحتها کما سیأتی – سنة 1901 حبس عبدالبهاء و أسرته مرة أخری داخل حدود حوائط عکا» (1).
و کان محبوسا اسما اما حقیقة فکان حرا مطلقا بفضل الیهود و مساعدتهم و بمساندة بقیة عملاء الاستعمار العاملین فی أنحاء فلسطین آنذاک، و قد کتب أحد البهائیین عن تلک المدة:
کان یحضر لزیارة عبدالبهاء و الاستفادة من تعالیمه و محبته الجم الغفیر من الرجال و النساء و هم یجلسون علی مائدته کأضیاف مکرمین یسألونه عن کل ما یخالج ضمائرهم من أمور روحیة أو اجتماعیة أو أدبیة و بعد أن یمکثوا عنده مدة تتراوح بین بضعة أشهر أو بضعة ساعات یرجعون الی موطنهم و هم متجددون و مستنیرون ملهمون مما لم تر عین الابداع شبهه.
ففی مجلسه تبطل جمیع الفوارق التی تتمیز بها الطبقات و ینمحی التعصب الیهودی و المسیحی و الاسلامی و یصبح فی خبر کان و تنکسر کل القیود و لا یبقی سوی القانون الأصلی الأساسی الذی یجمع کل القلوب علی المحبة الخالصة و به تحیی الأفئدة من أثر رب المکان فکأنه الملک آرثر جالسا و حوله القواد. الا أن الفرق بینهما أن عبدالبهاء یهییء الناس جمیعا رجالا و نساء لأن یعملوا کجنود روحانیین و یقلدهم بالکلمة لا بالسیوف» (2).
و بهائی آخر یقول:
»مکئنا خمسة أیام داخل الحیطان فکنا مسجونین مع الساکن فی السجن الأعظم سجن السلام و المحبة و الخدمة… حقا أن السجن الحقیقی و الهواء الخانق البعد عن قوت القلوب… و ذلک خارج عن تلک الحوائط الحجریة و أما داخلها فکانت ترفرف الحریة الصرفة و الاطلاق التام» (3).
و فی سنة 1904 م و سنة 1907 م بلغت حرکاته السریة ضد الحکومة الاسلامیة ذروتها و تقدم شهد من أسرته هو و من البهائیین أنفسهم و شهدوا ضده بأن له أعمال مناونة للحکومة و مخالفة لمصالحها کما أن له اتصال مباشر مع الأعداء و المناوئین ضد الحکومة الاسلامیة فأرسلت الحکومة الترکیة لجانا للتحقیق و لم یکترث و لم یبال بهم لأیدی أجنبیة خفیة قویة التی کانت تراعیه و تحافظ علیه و یشهد بذلک أسلمنت نفسه حیث یقول:
»و بینما کانت اللجنة تجمع الأدلة ضده کان یزوال أعماله الیومیة و أشغاله العادیة بکل اطمئنان و بدون اکتراث و یشتغل فی زرع الأشجار المثمرة فی الحدیقة و یرأس حفلة زواج بالعزة و الحریة» (4).
و الدلیل علی أن هذا الاطمئنان و عدم الاکتراث لم یکن الا لاتصاله بالأیدی الأجنبیة التی کانت تدعمه، هو اعتراف البهائیین أنفسهم «بأن القنصل الایطالی اتصل به آنذاک و قدم له تسهیلات لفراره من عکا و منح الجنسیة الایطالیة أن رغب فیها» (4).
»و لکنه آثر البقاء فی فلسطین لأداء الخدمات للاستعمار حتی قامت الثورة و وقع الانقلاب و أتاح الدونمة الحکومة الترکیة و أطلق سراح ذلک الخائن العمیل عبد الاستعمار و ربیب الیهود و الصهاینة» (5).
1) »بهاءالله و العصر الجدید» ص 61.
2) »الدیانة الاجتماعیة الجدیدة» لهوریس، ص 171.
3) »فی الجلیل» ص 24 لستر ثورنتون.
4) »بهاءالله و العصر الجدید«، ص 65.
5) أیضا و «دائرة المعارف الأردیة«، ص 94 ج 5.