و لیست المرأة أحبولة للشیطان، و لیس اتصال الجنسین رجسا من عمل الشیطان. و لیست اللذة و المتعة هی غایة هذا الاتصال، و لا الهوی دافعه و مانعه علی السواء. و لیس الجنسان سواء فی وظیفتهما و عملهما، و لیس مجرد التفرقة بینهما فی التکوین البیولوجی عبثا لا معنی له و لا هدف وراءه.. الی آخر ما مرت به النظرة الی «الانسان» من تخبط و اضطراب..
کلا.. انما الانسان.. انسان.. «انسان» و لیس الها – هو سید هذه الأرض و هو عبد الله فی آن.. و هو مسلط علی هذه الأرض، و مسخر له کل ما فیها، و علیه أن یخلف الله – سبحانه – فیها، و یغیر فیها و یبدل، و یتمی فیها و یرقی، و هو معان علی استغلال کنوزها و طاقاتها. معان بما وهبه الله من قوی و طاقات، و معان بما فی نوامیس هذا الکون من عون للانسان فی هذا المجال.. و فی الوقت ذاته هو من نفسه فی حرم من مقدس. حرم من حرمات الله. لا یمسه الا باذن الله، و لا یعمل فیه الا یمنهج الله. و لم یوهب معرفة أسرار هذا الحرم – الا بقدر – و لم یسمح له أن یضع له من تلقاء نفسه المناهج و الخطط و الشرائع و الأوضاع. و لم یؤذن له أن یتخذ الهه هواه..
و هو «انسان» – و لیس حیوانا – هو مخلوق فذ فی هذا الکون. مخلوق قصدا، و لخلقته حکمة. و مزود بطبیعة خاصة – فوق طبائع الحیوان –
و بخصائص معینة – فوق خصائص الحیوان – لأداء وظیفة معینة فی الأرض لا یؤدیها الحیوان. و له – من ثم – مقام کریم، یعادل وظیفته الکریمة.. کان کذلک یوم نشأ، و هو کذلک الیوم، و سیکون کذلک غدا.. و الذین خالفوا عن هذه الحقیقة یعودون الیها مرغمین الآن..
و هو «انسان» – و لیس آلة، و لا عبدا للآلة، و لا من صنع المادة، و لا من صنع الالآت – و هو کائن معقد شدید التعقید، لیست له بساطة المادة و لا طواعیة الآلة. و الذی نعلمه عن تعقیده قلیل – و نحن فی أول الطریق من علوم الانسان، و لم نصل بعد الی المزید من علوم الانسان الذی یتطلبه دکتور کاریل – و مع ذلک فقد واجهتنا «الحیاة» بتعقیدها المخیف الذی لم تواجهنا به المادة، و واجهنا «الانسان» بتعقید أشد هولا..
فمن الجرأة المتهورة المتهجمة علی «العلم» و قواعده، الزعم بأن هذا الانسان مادة، و التعامل معه کالتعامل مع المادة.. و من التخبط أن نزعم أنه کالآلة و نعامله کما نعامل الآلة.. ثم من التوقح البغیض ان نقول: ان الآلة (أداة الانتاج) هی الا له الذی یغیر فیه و یبدل کما یشاء!!!
و هو «انسان» – و لیس «نمرة» من النمر و لا فردا من القطیع – هو انسان یتمیز أفراده بعضهم من بعض، و یتمتع کل فرد بذاتیة مستقلة لا نظیر لها، و وحدانیة حقیقیة – رغم اشتراکهم جمیعا فی خصائص انسانیة عامة – و لکل فرد منهم «خصائصه الذاتیة» الی جانب «الخصائص الانسانیة«.. و من ثم ینبغی أن یکون النظام الاجتماعی، و النظام الاقتصادی، و النظام السیاسی، و الطریقة الفنیة للعمل فی المصانع و غیرها (التکنولوجیا) مبنیة علی أساس ملاحظة «الخصائص الانسانیة» العامة أولا. و «الخصائص الفردیة الذاتیة» ثانیا. فلا یحشر الجمیع فی نظام للعمل کالقطیع. و لا یکون عمل الفرد فی المصنع او فی أی مکان، بدیلا عن عمل الآلة، المتماثلة الغرز و ابعدها الطرقات.
و حین تحترم خصائص الانسان العامة، و خصائص الأفراد الذاتیة، فلن یتعذر علی المهندسین و المدیرین ایجاد طرائق العمل الفنیة التی تحافظ علی هذه الخصائص و تلک، و لن یتعذر علی «التکنولوجیا» ان تضمن الانتاج الکبیر و تضمن فی الوقت ذاته المحافظة علی هذه الخصائص و تلک، فلا تسحق «الانسان» و لا تسحق «الفرد» فی عمل أو نظام.
و هو «انسان» من ذکر و أنثی.. من نفس واحدة، نعم.. و لکنهما جنسان. و منهجنا یعرف هذه الحقیقة بشطریها، و یکفل لشطری النفس الواحدة حقوقا واحدة – فیما یتعلق بالأصل الانسانی العام – و لکنه فی الوقت ذاته یفرض علی کل منهما واجبات مختلفة، و فی الوظیفة الخاصة فی العمران، و وفق طاقة کل منهما و مجموعة تکالیفه، فلا یکلف المرأة المسکینة مثلا أن تحمل و ترضع و تربی، و فی الوقت ذاته تعمل و تکدح و تشقی.. بینما الرجل لا یشارکها الحمل و الرضاعة و التربیة. ثم یزعم بعد ذلک أنه ینصف المرأة و یحترمها و یرقیها! و لا یکلف المرأة أن تهمل صناعة «الانسان» لتشتغل بصناعة «الأشیاء«.. فالانسان فی منهجنا أغلی من الأشیاء. و لا یجوز فیه أن تشتغل المرأة المثقفة الماهرة الحکیمة بصناعة الأشیاء و انتاجها، و ان تستجلب لأبنائها امرأة أخری أقل ثقافة و مهارة و حکمة، و أرخص أجرا بالطبع، لتشرف لها علی «الأبناء» بینما هی تشرف علی «الاشیاء«!
و هکذا – و فی ظل هذا المنهج، و من نقطته السابقة فی البدء – یصبح المزید من علوم الانسان ذا قیمة فی موضعه المناسب، فی مرحلة من مراحل الطریق. لا من بدء الطریق (1).
1) المرجع السابق ص 174.