یقول أبوالفضل فی معنی لقب «الباب«: «تفنن المفسرون لاسم الباب علی ما توهمه رجما بالغیب، کما یستفاد مما ذکرته الجرائد المصریة حدیثا، فبعضهم فسره بباب العلم و بعضهم بباب السماء و بعضهم بباب الحقیقة ولکن المستفاد من کتبه «أنه هو القائم المبشر بقرب نزول المنقذ المجید و دخول العالم فی دور جدید» و لهذا اشتهر أتباعه بالبابیة و ذاع صیتهم بهذا اللقب فی الممالک الاسلامیة» (1).
و قد قال الباب مرة: «انه لا یرید بالباب باب الامام، بل القصد منه باب الله
الذی یدخل منه الطالب لیصل الی حضرة الخالق» (2).
و قال مرة أخری: «انه الباب الموصل الی الامام الغائب و المهدی المنتظر» (3).
و قال مرة: انه أراد من الباب، باب العلم کما ورد فی الحدیث المشهور: «أنا مدینة العلم و علی بابها» (4).
و قال مرة: «المراد من الباب، هو باب علم الهی» (5).
و قال: «ان المراد من الباب باب الصدق» (6).
و قال فی بیانه العربی: «ان ذات الحروف السبع (یعنی نفسه) باب الله لمن فی ملکوت السموات و الأرض و ما بینهما» (7).
و قال مرة «ان مقصوده من کلمة الباب هو کونه باب مدینة أخری» (8).
و قال: «انه القائم أی الرجل الذی سیقوم من آل الرسول فی آخر الزمان» (9).
و یقول البستانی فی «دائرة المعارف» أنه: «بناء علی قول مقتداه الشیخ أحمد (الأحسائی) فی أمر المهدی ادعی ثانیة أنه المهدی بعینه و أن ذلک الجسم اللطیف الروحانی قد ظهر فی هذا الجسم الکثیف المادی» (10).
و بعد ذلک تدرج الی مقام آخر وادعی أنه هو «الذکر» المقصود فی القرآن من
قوله تعالی: (واسألوا أهل الذکر ان کنتم لا تعلمون(، فقال: «أنا الذکر و قد حل فی جسمی روح علی بن أبیطالب و ان شمس الحقیقة لا تزال واحدة مع اختلاف الأسماء باختلاف الأیام و هذا معنی قوله: أنا صاحب الرجعات بعد الرجعات، و أنا صاحب الکرات و المرات.. و رجعته أسهل و أقرب من لمح البصر و خاصة فی أولاده و صلبه لأن الطینة واحدة بعضها من بعض» (11).
و وصفه بهاءالله کذلک بعبارة «حضرة المبشر«، التی فسرها کتاب «الموجز فی شرح المصطلحات» بعبارة: «هو حضرة الباب الذی بشر بظهور حضرة بهاءالله» (الموجز، ص 11(.
و من ألقاب الباب: «سید الذکر – عبد الذکر – باب الله – النقطة الأولی – طلعة الأعلی – حضرة الأعلی – مظهر الرب الأعلی – نقطة البیان – السید الباب» (12).
و قد وصفه بهاءالله بقوله: «سید الامکان» (13) و «سلطان ممالک العلم و الفضل و العطاء» (14) و «سلطان الرسل و کتابه أم الکتاب» (15) و «العالم لما کان و ما یکون» (16) و «محبوب العالمین، و نور الله، و سلسبیل الحیوان فی أیام الرب» (17) القائم (18) الذکر (19) «حضرة الباب الرب الأعلی» (20).
و وصفه أبوالفضل بعبارة: «الرب الأعلی» (21).
و من ألقاب الباب المألوفة عندهم: «حضرة النقطة«. و قد جاء فی شرح هذه العبارة فی کتاب «الموجز فی شرح المصطلحات» (ص 11(:
»حضرة النقطة: أی حضرة الباب، اذ أن أحد ألقابه المبارکة هو «النقطة الأولی» کما یتفضل حضرة ولی أمر الله شوقی أفندی فی توقیعه الی بهائیی الشرق المؤرخ 101 ب بقوله: «التحیة و البهاء علی مبشره الفرید قرة عین النبیین باب الله الأعظم و ذکر الله الأکبر الأکرم الأفخم و حجة الله بین الأمم الدرة الأولی و العلی الأعلی و النقطة الظاهرة بآثار جمیع الأنبیاء«.
لقد حاول عبدالبهاء أن یوحی بأن «النقطة» المقصودة انما هی نقطة باء «بسم الله الرحمن الرحیم«. فهو یقول فی مکاتیبه:
»اعلم أن البسملة عنوانها الباء و أن الباء التدوینی هی الحقیقة المجملة الجامعة الشاملة للمعانی الالهیة و الحقائق الربانیة و الدقائق الصمدانیة و الأسرار الکونیة و هی – فی مبدأ البیان و جوهر التبیان – عنوان الکتاب المجید و فاتحة منشور التجرید بظهور لا اله الا الله کلمة التوحید و آیة التفرید و التقدیس من حیث الاجمال و التفصیل و ان الباء التکوینی هی الکلمة العلیا و الفیض الجامع اللامع الشامل المجمل الحائز للمعانی و العوالم الالهیة و الحقائق الجامعة الکونیة بالوجه الأعلی لأن التدوین طبق التکوین و عنوانه و ظهوره و مثاله و مجلاه و تجلیه و شعاعه عند تطبیق المراتب الکونیة بالعالم الأعلی، فانظر فی منشور هذا الکون الالهی تلقاه لوحا محفوظا و کتابا مسطورا و سفرا جامعا و انجیلا ناطقا و قرآنا فارقا و بیانا واضحا، بل أم الکتاب الذی منه انتشر کل الصحائف و الزبر و الألواح، و ان کل الموجودات و الممکنات و الحقائق و الأعیان کلها حروف و کلمات و أرقام و اشارات تنطق بأفصح لسان و أبدع بیان بمحامد موجدها و نعوت منشئها و تسبیح بارئها…
»و لنرجع الی بیان الباء و نقول انها متضمنة معنی الألف المطلقة الالهیة بشئونها
و أطوارها اللینیة و القائمة و المتحرکة و المبسوطة و نحوها فی البسملة التی هی عنوان کتاب القدم بالطراز الأول المشتملة علی جمیع المعانی الالهیة و الحقائق الربانیة و الأسرار الکونیة المبتدأ فیها بالحرف الأول من الاسم الأعظم بالوجه الأتم الأقوم…«
»و مروی عن علی علیهالسلام [ان کل ما فی التوارة و الانجیل و الزبور فی القرآن، و کل ما فی القرآن فی الفاتحة، و کل ما فی الفاتحة فی البسملة، و کل ما فی البسملة فی الباء، و کل ما فی الباء النقطة] (22) و المراد من النقطة الألف اللینة التی هی باطن الباء و عینها فی غیبها و تعینها و تشخصها و تمیزها فی شهادتها.»
»و قد صرح به من شاع و ذاع فی الآفاق علمه و فضله السید الأجل الرشتی فی دیباجة کتابه و فصل خطابه شرحا علی القصیدة اللامیة، فقال [الحمد لله الذی طرز دیباج الکینونة بسر البینونة بطراز النقطة البارز عنها الهاء بالألف بلا اشباع و لا انشقاق] فهذه النقطة هی الألف اللینة التی هی غیب الباء و طرازها و عینها و جمالها و حقیقتها و سرها و کینونتها کما بیناه آنفا، و هذه العبارة الجامعة اللامعة الواضحة الصریحة ما أبدعها و أفصحها و أبلغها و أنطقها، لله در قائلها و ناطقها و منشئها الذی اطلع بأسرار القدم، و کشف الله الغطاء عن بصره و بصیرته و أیده شدید القوی فی ادراکه و استنباطه و جعل الله قلبه مهبط الهامه و مشرق أنواره و مطلع أسراره و معدن لآلیء حکمه حتی صرح بالاسم الأعظم و السر المنمنم و الرمز المکرم و مفتاح کنوز الحکم بصریح عبارته و بدیه اشارته و وضوح کلامه و رموز خطابه؛ فانک اذا جمعت النقطة التی هی عین الباء و غیبها و الهاء و الألف بلا اشباع و لا انشقاق استنطق منهن الاسم الأعظم الأعظم و الرسم المشرق اللائح فی أعلی أفق العالم الجامع لجوامع الکلم المشتهر الیوم بین الأمم» (23).
»و نعود الی ما کنا فیه من أن القرآن عبارة عن کل الصحف و الألواح و الفاتحة جامعة القرآن و البسملة مجملة الفاتحة، و الباء هی الحقیقة الجامعة للکل بالکل فی
الکل، و ان الحمد فاتحة القرآن و البسملة فاتحة الفاتحة و ان الباء فاتحة فاتحة الفاتحة، و انها لعنوان البسملة فی الصحف الأولی صحف ابراهیم و موسی و الأناجیل الأربعة الفصحی و القرآن الذی علمه شدید القوی و البیان النازل من الملکوت الأعلی و صحائف آیات ربک التی انتشرت فی مشارق الأرض و مغاربها…
»و بالجملة ان الباء حرف لاهوتی جامع لمعانی جمیع الحروف و الکلمات، و شامل لکل الحقائق و الاشارات و مقامه مقام جمع الجمع فی عالم التدوین و التکوین، و الأدلة واضحة و البراهین قاطعة و الحجج بالغة فی ذلک، و انها سبقت الأحرف الملکوتیة و الأرقام الجبروتیة فی جمیع الشئون و المراتب و المقامات و التعینات الخاصة بالحروفات العالیات، فهو فی أعلی مقامات الوحدة و الاجمال فی الحقیقة الأولی علی الوجه الأعلی.«
»و قد قال العالم البصیر [ما رأیت شیئا الا و رأیت الباء مکتوبة علیه، فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق فی مقام الجمع و الموجود أی بی قام کل شیء و ظهر].»
»و قال محی الدین [بالباء ظهر الوجود و بالنقطة تمیز العابد من المعبود و النقطة للتمیز و هو وجود العبد بما تقتضیه حقیقة العبودیة]«
»و النقطة فی هذا المقام آیة الباء ورایتها و علامة من علائمها و معالمها و تعین من تعیناتها و بها تمییزها و تعریفها و تشخیصها» (24).
یقول عبد البهاء هذا، فی حین أن اللغة العربیة لم تکن منقوطة حین نزل القرآن الکریم. لذلک کانت المصاحف الأولی خالیة من النقط.
ثم جری التنقیط، أو ما سمی بالاعجام، فی زمن عبدالملک بن مروان، حین کثر التصحیف، فی العراق خاصة، و التبست القراءة علی الناس لتکاثر الأعاجم من القراء و العربیة لیست لغتهم فصعب علیهم التمییز بین الأحرف المتشابهة ففزع الحجاج الی کتابه و سألهم أن یضعوا لهذه الأحرف المتشابهة علامات و دعا نصر بن عاصم اللیثی و یحیی بن یعمر العدوانی (تلمیذی أبی الأسود) لهذا الأمر فوضعا النقط، أو الاعجام، أزواجا و أفرادا بعضها فوق الحروف و بعضها تحتها، و سمی ذلک اعجاما لأن
الاعجام فی المعنی الأصلی هو التکلم علی لغة الأعاجم، کما أن الاعراب هو التکلم علی لغة العرب (25).
من هذا یتضح أن اعطاء النقطة معنی غیبیا فیه کثیر من الاعتساف.
علی أن الواضح من بعض القرائن أن البابیین و البهائیین کانوا یقصدون شیئا آخر من عبارة «النقطة«.
یقول البیرونی فی کتابه «تحقیق ماللهند من مقولة» أن بعض خواص أهل الهند کان یسمی الله تعالی «نقطة» لیبرئه بها عن صفات الأجسام (ص 23(.
و فی المذهب الفیثاغوری کانوا یصورون الواحد بالنقطة، و الاثنین بالخط، و الثلاثة بالمثلث، و الأربعة بالمربع (26).
و یقول الدکتور علی سامی النشار (27): «اننا نری فکرة النقطة نقطة الباء «نقطة الوجود«، مرکز الوجود، فی التصوف الاسلامی تصل الی التصوف حتی أقاصی المغرب من الهند، و نری شعراء الصوفیة یستخدمونها، فیتکلمون عن نقطة الوجود، و نقطة الباء:
نقطة الباء کن اذا
شئت تسمو
أو فدع ذکر قربنا
یاموله
ثم یضیف النشار دلیلا علی أثر الفلسفة الهندیة ترجمة کتاب «البد» الی العربیة و ظهور آثاره فی بعض فلاسفة الصوفیة المتأخرین کابن سبعین و الششتری (28).
و یقول عبدالرزاق الحسنی: «یبتنی أساس المذهب البابی علی الاعتقاد بوجود اله واحد أزلی نظیر ما یعتقد به المسلمون، الا أن البابیین یستمدون صفات الخالق من أساس العقیدة الباطنیة التی تری أن لکل شیء ظاهرا و باطنا، و أن الوجود مظهر من مظاهر الله، و أن الله هو النقطة الحقیقیة و کل ما فی الوجود مظهر له» (29).
1) »مختارات من مؤلفات أبیالفضائل«، ص 317.
2) »الدیانات و الفلاسفة فی آسیا الوسطی«، لکونت جوبینو الفرنساوی، نقلا عن دائرة المعارف للوجودی، ج 2 ص 6 – «البابیة«، لظهیر، ص 161.
3) »تاریخ الشعوب الاسلامیة«، لبروکلمان، ج 3، ص 665 – «الکواکب الدریة«، لآواره، ص 90 ط عربی – «البابیة«، لظهیر، ص 159 و 160.
4) روضات الصفا، و ناسخ التواریخ – «البابیة«، لظهیر، ص 161.
5) الکواکب الدریة، ص 49، ط فارسی – البابیة لظهیر، ص 161.
6) البابیة لظهیر، ص 161.
7) البیان العربی، الواحد الأول – البابیة لظهیر، ص 161.
8) مقالة سائح، ص 6 – البیان الفارسی، الواحد الأول – «البابیة«، لظهیر ص 161.
9) تاریخ الشعوب الاسلامیة لبروکلمان، ص 665.
10) دائرة المعارف ج 5 ص 26 – البابیة لظهیر، ص 168.
11) »نقطة الکاف«، للمرزه جانی الکاشانی، ص 146 و 147 – «البابیة«، لظهیر، ص 169.
12) البابیون و البهائیون، عبدالرزاق الحسنی، ص 12.
13) »کلمات فردوسیة«، لبهاءالله ص 173 ط فارسی – «البابیة«، ظهیر ص 194.
14) لوح «اشراقات«، لبهاءالله، ص 94 – «البابیة«، لظهیر، ص 194.
15) »لوح أحمد» لبهاءالله، ص 154 – «البابیة«، لظهیر، ص 194.
16) »اشراقات» لبهاءالله، ص 94 -؛»البابیة«، لظهیر، ص 194.
17) »لوح الرئیس» لبهاءالله – «البابیة«، لظهیر، ص 194.
18) الموجز ص 9.
19) الموجز ص 32.
20) »الایقان» ص 184.
21) »مختارات من مؤلفات أبی الفضائل«، ص 179.
22) لم تکن العربیة منقوطة فی عهد علی رضی الله عنه. لذلک یستبعد أن تکون هذه العبارة قد صدرت عنه.
23) یقصد بهاءالله.
24) من مکاتیب عبدالبهاء – 1 – ص 35 الی 39.
25) انتشار الخط العربی فی العالم الشرقی و العالم الغربی، عبد الفتاح عباده، ص 30.
26) نشأة الفکر الفلسفی فی الاسلام، النشار، ج 1 ص 127.
27) نشأة الفکر الفلسفی فی الاسلام، النشار، ج 3، ص 48.
28) المرجع السابق، ج 3 ص 48 و 52.
29) »البابیون و البهائیون» لعبدالرزاق الحسنی، ص 47.