فالاسلام الذی یشنع علیه الملاحدة و أهل الزیغ یراعی قبل کل شیء المحافظة علی البیئة و شرفها، و هذا الحفاظ لا یحصل الا بصیانة الأعراض و الأنساب، و من أهم الأسباب التی تساهم و تساعد علی ذلک هو منع الاختلاط بین النساء و الرجال لأن المرأة لا تخلو مع رجل و الرجل بامرأة الا و یتوقع منه أو منها أو منهما الفساد و الانزلاق الی الشهوات و المنکر، و هذا أمر لا ینکره الا من فسد عقله و اختلت حواسه و أضرب عن الحقائق الواقعة فی الکون و أغمض عینیه عما حوله و عن النتائج التی نشرت فی الجرائد عن البلدان التی عم فیها الاختلاط و أبیحت الخلوة فیما بینهم.
فالاسلام دین الله الحنیف استأصل جذور هذه الفتنة و منع منعا باتا عن اختلاط الرجال بالنساء؛ لأن الأسرة لا تتکون و لا تتولد فیها الحمیة و الغیرة الا حینما تکون أسرة حقیقیة، و هذا لا یتأتی الا بالتجنب عن الحرام و المحافظة علی النسب.
و صحة النسب لها أهمیة کبری فی تکوین بیئة شریفة خالیة من الرذائل و محلاة بالفضائل، و لأجل ذلک قال الرب تبارک و تعالی، العالم بأحوال الناس، و البصیر بخبایاهم، و العلیم بما تختلج به القلوب فی الصدور.
(و قرن فی بیوتکن و لا تبرجن تبرج الجاهلیة الأولی) (1).
و قال: (فلا تخضعن بالقول فیطمع الذی فی قلبه مرض و قلن قولا معروفا) (2).
و قال مخاطبا خلیله و حبیبه صلی الله علیه و سلم:
(یا أیها النبی قل لأزواجک و بناتک و نسآء المؤمنین یدنین علیهن من جلابیبهن ذلک أدنی أن یعرفن فلا یؤذین) (3).
و قال نبیه علیه الصلاة و السلام:
»لا تخلو امرأة مع رجل الا و یکون الشیطان ثالثهما«.
فهذه هی الفطرة، الفطرة التی فطر الناس علیها و لذلک لا یوجد فی عصر الاسلام، أی العصر الذی نفذ فیه الدستور السماوی و الشرع الالهی، لا یوجد فیه الفحشاء و البغی الا ما شذ و نذر، وقتما وجد فی البیئات الغیر المتحجبة مئات الألوف، نعم مئات الالوف من الرجال و النساء ارتکبوا الفضائح و اقترفوا القبائح و أنتجوا ثمرة ذلک جیلا کاملا من الادعیاء و أولاد الزنا، و حتی الیوم ان البلاد التی تتمسک بمنهج الاسلام فی حقوق المرأة لا یوجد فیها الفسوق و الفجور مثلما یوجد فی البلاد الغیر المتمسکة بها، و هذا یدل علی أن الفحشاء و المنکر لا یفشو الا بخروج المرأة من بیتها و الاختلاط مع الرجال، فکم من زوج فسدت علیه قرینته بعد ما تعرفت علی أصدقائه و زملائه، و کم من زوجة فقدت زوجها بعد ما عرفته علی زمیلاتها و صدیقاتها، فالاسلام دین الفطرة سد أبواب الدعارة نهائیا حیث أجلس المرأة علی عرش البیت و منعها من الخروج و الظهور و التبرج لغیر المحارم من الرجال، ففی هذا احترام و أدب و تقدیر للمرأة لا تحقیر و لا تصغیر لشأنها لأنها بعد اختلاطها مع الرجال تفقد میزتها و أهمیتها مع حشمتها و حیاءها و تصیر عادیة لا نصیب لها من الاحترام من قبل المجتمع، فالمتجول و السائح فی البلاد الأوربیة و الغیر الاسلامیة یشاهد فی القطار و فی الاوتوبیسات و الناقلات أن النساء عند ما لا یجدن محلا للجلوس یبقین واقفات طول الطریق، لا یتنبه لصوعبتهن أحد، و لا یتلفت الی مشقتهن شخص، المشقة التی جلبنها أنفسهن علیهن، غیر البلاد الشرقیة المسلمة المحافظة علی التقالید الاسلامیة ففیها حتی الآن تراعی المرأة و یعطی لها من الأهمیة حیث لو دخلت واحدة فی مثل هذا یترک لها غیر واحد من الجالسین مقعده بدون من و احسان، لحشمتها و مقامها السامی الذی أعطاها الاسلام، فالمشنعون علی الاسلام و الطاعنون علیه یفهمون العکس کأن الاسلام لم یعط للمرأة حقا حال کون الاسلام أعطاها ما لم تعط فی تاریخا قط، فالمرأة فی شریعة الرومان ما کانت تعترف لها بأیة أهلیة حقوقیة و کانت توضع تحت الحراسة
الدائمة فی صغرها و کبرها، ففی حراسة الأب أولا، و الزوج ثانیا، کما لم تکن تملک أیة حریة فی تصرفاتها، و فوق ذلک ما کانت ترث من تراث الأب و الزوج مطلقا، بل کانت تعد من جملة ما یرثها الوارثون.
و فی الشرائع ما قبل الاسلام کانت هی موضوع بحث هل تتمتع بروح الانسان أم لها روح الحیوانات مثل الکلاب و الخنازیر، و قررت بعض الندوات المسیحیة أن لا روح لها مطلقا، و هکذا فی البوذیة و الهندوکیة. و فی جزیرة العرب کانت تحتقر الی حد وجودها عارا و مسبة و عند ولادتها کانوا یقومون بوئدها و هی حیة فجاء الاسلام و رفع عنها هذه الاهانة و وهبها حقوقا ما لها من حقوق.
1) سورة الأحزاب: الآیة 33.
2) سورة الأحزاب:، الآیة 32.
3) أیضا: الآیة 59.