و اذا کان بعض الباحثین الثقات کالاستاذ احسان الهی ظهیر، یرون أن البهائیین لم یأخذوا بهذا المبدأ متأثرین بالحضارة الغربیة التی فتحت فی أحضانها دور الزنا و نوادی العراة و أندیة الرقص و بارات الخمر و خانات الخلاعة و المجون، فاننا نری أن البهائیة کانت تصدر فی ذلک عن المخطط الصهیونی الذی استهدف تخریب الانسان الاوربی و غیر الاوربی، من أجل سیادة الصهیونیة العالمیة، علی النحو الذی توضحه بروتوکولات حکماء صهیون. فالیهودی «اذا زنا بالیهودیة
حرام، و زناه بالأممیة و مثله زنا الیهودیة مع أممی (غیر الیهود من سائر الأمم) مباح کما یقول فیلسوفهم و ربانیهم الکبیر موسی ابن میمون، لأن الأممیة کالبهیمة» (1).
من أجل ذلک استخدمت الصهیونیة صنم (البهائیة) و أتباعه کما استخدمت المذاهب المتناقضة لخدمة مصالحها، ما دامت تؤدی أخیرا الی تفکک العالم و القضاء علی أخلاقه و نظمه و أدیانه و قومیاته، و هذه هی العوائق ضد سلطتهم العالمیة فیما یرون.
هکذا عملت الصهیونیة و ما زالت تعمل تحت مسمیات أخری، و منها البهائیة. فالنظرة البهائیة للمرأة، هی نظرة المخططات الصهیونیة لتدمیر الکیان الانسانی الأممی (أی غیر الیهودی(. منذ أخذت نظریة الرومان فی النساء تتبدل بعد فترة من شبه الاعتدال و التوازن برقیهم و تقلبهم فی منازل المدنیة و الحضارة. و ما زال هذا التبدیل یطرأ علی أنظمتهم و قوانینهم المتعلقة بالأسرة، و عقد الزواج و الطلاق، الی أن انقلب الأمر ظهر البطن، و انعکست الحال رأسا علی عقب، فلم یبق لعقد الزواج عندهم معنی سوی أنه عقد مدنی Civil contract فحسب ینحصر بقاؤه و مضیه علی رضی المتعاقدین. و أصبحوا لا یهتمون بتبعات العلاقة الزوجیة الا قلیلا. و منحت المرأة جمیع حقوق الأرث و الملک، و جعلها القانون حرة طلیقة لا سلطان علیها للأب و لا للزوج. و لم تصبح الرومانیات مستقلات بشؤون معایشهن فحسب، بل دخل فی حوزة ملکهن و سلطانهن جزء عظیم من الثراء القومی علی مسیر الأیام. فکن یقرضن أزواجهن بأسعار الربا الفاحشة، مما یعود به أزواج المثریات من النساء عبیدا لهن فی میادین العمل و الواقع! ثم سهلوا من أمر الطلاق تسهیلا جعله شیئا عادیا یلجأ الیه لأتفه الأسباب.. فهذا «سنیکا» الفیلسوف الرومانی الشهیر (4 ق. م – 56 م) یندب کثرة الطلاق، و یشکو تفاقم خطبه بین بنی جلدته فیقول: انه لم یعد الطلاق الیوم شیئا یندم علیه أو یستحی منه فی بلاد
الرومان. و قد بلغ من کثرته و ذیوع أمره، ان جعلت النساء یعددن اعمارهن باعداد أزواجهن!
و کانت المرأة الواحدة تتزوج رجلا بعد آخر، و تمضی فی ذلک من غیر حیاء. و قد ذکر «مارشل» (140 – 60 م) عن امرأة تقلبت فی احضان ثمانیة أزواج فی خمس سنوات. و أعجب من کل ذلک و أغرب ما ذکره القدیس (جروم) – 420 – 340 م – عن امرأة تزوجت فی المرة الأخیرة الثالث و العشرین من أزواجها و کانت هی أیضا الحادیة و العشرین لبعلها!
ثم بدأت تتغیر نظرتهم الی العلاقات و الروابط القائمة بین الرجل و المرأة من غیر عقد مشروع. و قد بلغ بهم التطرف فی آخر الأمر، أن جعل کبار علماء الأخلاق منهم یعدون الزنا شیئا عادیا.. فهذا «کاتو» Cato الذی اسندت الیه «الحسبة الخلقیة» سنة 184 قبل المیلاد یجهر بجواز اقتراف الفحشاء فی عصر الشباب. و ذلک «شیشرون» Ciceron المصلح الشهیر یری عدم تقیید الشبان بأغلال الأخلاق المثقلة، باطلاق العنان لهم فی هذا الشأن. و لا یقتصر الأمر علیهما، بل یأتی «ابکتیتس» Epictetus الذی یعد من المتصلبین فی باب الأخلاق من فلاسفة الرواقیین Stoics فیقول لتلامیذه.. و مرشدا و معلما..: «تجنبوا معاشرة النساء قبل الزواج – ما استطعتم – و لکنه لا ینبغی أن تلوموا أحدا، أو تؤنبوه، اذا لم یتمکن من کبح جماح شهواته..» (2).
ثم کان من ثمرة هذه الاتجاهات ما سبق أن أثبته الأستاذ سید قطب (3) من انحلال عری المجتمع الرومانی.. ثم دمار هذا المجتمع.. و سقوط الدولة الرومانیة..
و من هذه الاباحیة المطلقة و الشهوانیة العارمة، و اعتبار اللذة غایة التقاء الجنسین التی لا غایة وراءها لیستمر الخیط الصهیونی لتتلقفه البهائیة فتذیعه بلا حیاء.
و قد استغلت البهائیة فی اطار المخطط الصهیونی ما وصل الیه مفهوم العلاقة بین الجنسین فی ظل التصور الکنسی..
فمن نظریتهم الاولیة الأساسیة فی هذا الشأن، أن المرأة ینبوع المعاصی، و اصل السیئة و الفجور، و هی للرجل باب من أبواب جهنم، من حیث هی مصدر تحریکه و حمله علی الآثام. و منها انبجست عیون المصائب الانسانیة جمعاء، فبحسبها ندامة و خجلا انها امرأة! و ینبغی لها أن تستحی من حسنها و جمالها، لأنه سلاح ابلیس الذی لا یوازیه سلاح من أسلحته المتنوعة، و علیها أن تکفر و لا تنقطع عن أداء الکفارة أبدا، لأنها هی التی قد أتت بما أتت من الرزء و الشقاء للأرض و أهلها..
و دونک ما قاله «ترتولیان Tertulian» احد أقطاب المسیحیة الأول و ألمتها، مبینا نظریة المسیحیة (4) فی المرأة..
»انها مدخل الشیطان الی نفسی الانسان، و انها دافعة بالمرء الی الشجرة الممنوعة. ناقضة لقانون الله. و مشوهة لصورة الله – أی الرجل«، «و کذلک یقول «کرائی سوستام Sostem» الذی یعد من کبار أولیاء الدیانة المسیحیة فی شأن المرأة: «هی شر لابد منه، و وسومة جبلیة، و آفة مرغوب فیها، و خطر علی الأسرة و البیت، و محبوبة فتاکة، ورزء مطلی مموه!«.
»أما نظریتهم الثانیة فی باب النساء، فخلاصتها أن العلاقة الجنسیة بین
الرجل و المرأة هی نجس فی نفسها یجب أن تتجنب – و لو کانت عن طریق نکاح و عقد رسمی مشروع – هذا التصور الرهبتی للأخلاق الذی کانت جذوره تکاد تتأصل فی اوربة من قبل، بتأثیر الفلسفة الاشراقیة Neo-Platonism جاءت المسیحیة فزادته شدة، و بلغت به منتهاه. و ذلک أن اصبحت حیاة العزوبة مقیاسا لسمو الأخلاق و مهانة الطباع. و جعلوا یعدون العزوبة، و تجنب الزواج من أمارات التقوی و الورع و ذکاء الأخلاق. و أصبح من المحتوم لمن یرید أن یعیش عیشة نزیهة ألا یتزوج أصلا، أو لا یعاشر امرأته معاشرة الزوج لزوجته علی الأقل! و کذلک قرروا و وضعوا القوانین فی مؤتمراتهم الدینیة المتعددة بأن لا یختلی رجال الکنیسة بأزواجهم. و الا یتلاقی الرجل و المرأة منهم الا بمرأی من الناس، أو أمام رجلین من رجالهم علی الأقل.. و ما آلوا جهدا فی أن یثبتوا فی قلوب الناس الشعور ببشاعة العلاقة الزوجیة و تتجسها.. وخذ لذلک مثلا کان شائعا بینهم، أن الزوجین اللذین اتفق لهما أن یبیتا معا لیلة عید من الأعیاد، لا یجوز لهما أن یعیدا و یشترکا مع القوم فی رسومهم و مباهجهم، کأنی بهم یرون أنهما قد اقترفا اثما سلبهما حق المشارکة فی حفل دینی مقدس عندهم.. و قد بلغ من تأثیر هذا التصور الرهبنی، أن تکدر صفو ما بین أفراد الأسرة و العائلة من الأواصر. و حتی ما بین الأم و الولد منها. اذ أمسی کل قرابة و کل سبب ناتج عن عقد الزواج یعد اثما و شیئا نجسا!
»و هاتان النظریتان ما وضعتا من مکانة المرأة و حطتا من شأنها فی حقول الأخلاق و الاجتماع فحسب، بل کان من مفعولهما القوی، و نفوذهما البالغ فی القوانین المعینة، أن أصبحت الحیاة الزوجیة مبعث حرج وضیق للرجال و النساء بجانب، و بجانب آخر انحطت منزلة المرأة فی المجتمع فی کل ناحیة من نواحی الحیاة» (5).
صحیح ان البهائیة أعطت المرأة ما لم یعطها أی دین آخر و لیس لدین أن یعطیها ما أعطوها، و کذب انهم أعطوها شیئا لأنهم کلما أعطوها شیئا أخذوا منها اشیاء، منحوها الحریة و سلبوا منها الطهارة و العفاف کما جردوها عن الحشمة و الحیاء و الوقار و کرامة الخاصة بهن.
و قد لاحظ الاستاذ احسان الهی ظهر فی سفره الی ایران عندما زارها للتحقیق و التنقیب عن البهائیة أنه لا یسمح العمل و التبلیغ فی تلک البلاد و لکنهم یعملون سرا وراء الستاثر و الانقیة، فدخل مجالسها و اندیتها التی یتسترون بها و رأی ان أکثر روادها من الشباب الفاسقین و السوقة المتعطشین لما یجدون متعة جنسیة رخیصة عندهم بسبب الاختلاط العام و الاباحیة المطلقة، و لا حظ فی کثیر من المجالس البهائیة بطهران و غیرها اکثریة الحضار من هذا القبیل، و لأجل ذلک رأی ان البهائیة منتشرة فی أوساط المراهقین و المتطلعین الی الجنس و المتعطشین لارواء غلتهم الشیطانیة من الفجور و الفسوق، و هذا أمر لا ینکر و لا یتنکر فی کل بلدة یوجد فیها مجالس البهائیة، و البهائیین.
و لهم فی ذلک عذر اشترطوا فی النکاح رضا الطرفین أولا و أخیرا و هما الولد و البنت لا الآباء و الأمهات کما یقول حسین علی فی «لوح زین المقربین«: «ضروری فی النکاح رضا الطرفین اولا ثم أخبار الوالدین بعد ذلک – فقط الاخبار – کذلک قضی الأمر من القلم الأعل انه هو الغفور الرحیم» (6) و أما فی البیان للباب ما کان حتی و لا الاطلاع للوالدین (7).
1) البروتوکولات ص 77.
2) من کتاب (الحجاب) للأستاذ المودودی ص 23 – 20.
3) المرجع السابق ص 55 – 53.
4) الاولی ان نعبر دائما «بالنظریة الکنسیة» لبعد ما بین حقیقة النصرانیة و «التصورات الکنسیة» سید قطب: السابق ص 73.
5) کتاب الحجاب للأستاذ المودودی ص 28 – 25.
6) لوح زین المقربین للمازندرانی نقلا عن کتاب «الحدود و الأحکام» لاشراق الخاوری، البهائی، ص 164.
7) الباب السابع من الواحد السادس من «البیان العربی«.